لماذا تَراجَع ترامب عن سَحبِ قُوّاته من سورية فَجأةً؟ وهَل يُريد مُقايَضة خُروجِها بإنهاءِ الوُجود الإيرانيّ؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1834
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ولماذا تتطوَّع السعوديّة والإمارات بتَعويضِ المُساعَدات الماليّة الأمريكيّة للأكراد والميليشيات القَبليّة شَرق الفُرات؟
 يتعامَل دونالد ترامب مَع مُعظَم حُلفائِه العَرب في منطقة الخليج كما لو أنّهم “ماكينة صِرافة”، وبلَغَت وقاحته في هذا المِضمار قمّتها عندما أعلن في تَغريدةٍ نَشَرها أمس على حِسابه على “التويتر” أنّه قرَّر وقف مُساعداتِه التي كان يُقَدِّمها لحُلفائِه في شمال شرق سورية، أو المناطق التي استعادها هؤلاء من “الدولة الإسلاميّة” (داعش)، وتَبلُغ قيمتها 230 ميلون دولار سَنويًّا، وتوجيه تَعليماتِه إلى كُلٍّ من المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات بتَعويضِ مُعظَم هذا المَبلغ فَورًا.
المملكة العربيّة السعوديّة ستَدفع مِئَة مِليون دولار، والإمارات 50 مِليونًا، وستَذهب هَذهِ الأموال “لتعمير” المناطق السوريّة في شَرق الفُرات، أي المَناطِق التي تُسيطِر عليها قوّات سورية الديمقراطيّة، وبعض الميليشيات القَبليّة الأُخرَى، وربّما تَسليحها أيضًا.
اللافت أنّ هذا القرار الأمريكيّ “بتَجيير” هَذهِ الالتزامات الماليّة إلى دُوَلٍ خليجيّةٍ، يأتِي في وَقتٍ يُحَقِّق فيه الحِوار بين الأكراد السُّوريين وحُكومَتهم المركزيّة في دِمشق تَقَدُّمًّا كبيرًا، وكأنّ هَذهِ الخَطوة الأمريكيّة، المَدعومة خَليجيًّا، تُريد نَسف هذا التَّقدُّم وإشعالِ فتيل الحَرب في هَذهِ المِنطَقة مُجدَّدًا، وتحديدًا بين قُوّات الجيش العربي السوري وقُوّات سورية الديمقراطيّة، لأنّ الرئيس الأسد قال في أحد مُقابلاتِه قبل شهر، أنّ هَذهِ المَناطِق ستَعود إلى الدَّولةِ السُّوريّة سِلمًا أو حَربًا.
إدارة ترامب تُريد فَصل مِنطَقة شَرق الفُرات التي تتواجَد في عُمقِها احتياطات النِّفط والغاز السُّوري عن الدَّولةِ المَركزيّة، وإقامَة “إمارَتين” على أرضِها، واحِدة كُرديّة وأُخرى عربيّة قبليّة طائفيّة سُنيّة بدَعمٍ أمريكيّ، ومِن غير المُستَبعد إرسال قُوّات سُعوديّة وإماراتيّة للتَّواجُد في هَذهِ المِنطَقة لتَكون إلى جانب القُوّات الأمريكيّة التي تَراجَع الرئيس ترامب عن مُخطَّطاتِه لسَحبِها.
الخُطَّة الأمريكيّة الجديدة باتَت واضِحَة المَعالِم، وعَمودها الفِقريّ إجراء مُقايَضة بين خُروج القُوّات الأمريكيّة وحُلفائِها من شمال شرق سورية، مُقابِل خُروج القُوّات الإيرانيّة وأذرُعِها المُسلَّحة، تَطبيقًا للإملاءات الإسرائيليّة.
يُخطِئ الأشقّاء الأكراد إذا اعتقدوا أنّ الوِلايات المتحدة وحُلفاءها العَرب يُريدون مصلحتهم، وعليهم أن يُدرِكوا مُجدَّدًا أنّ هؤلاء يُريدون استخدامهم كأدواتٍ لتَحقيق هَذهِ المُقايَضة، وعندما ينجحوا في هذا المُخَطَّط سيَطعنونهم في الظَّهر، مِثلَما أثبَتت كُل التَّجارِب السَّابِقة.
المَشروع الأمريكيّ انهزم في سورية، وأيُّ مُحاولةٍ “لتَرقيعِه” مَحكومٌ عليها بالفَشَل، ومِن المُؤسَف أنّ التحالف السُّعوديّ الإماراتيّ يُشارِك ماليًّا، وربّما عَسكريًّا لاحِقًا في هَذهِ المُحاولةِ التَّرقيعيّة.
القُوّات الأمريكيّة ستَخرُج مَهزومةً من الشِّمال السُّوريّ، ومن العِراق أيضًا، بَل والمِنطَقةِ كُلِّها، لأنّها لن تستطيع تَحَمُّل الخَسائِر البشريّة التي يُمكِن أن تترتَّب على استهدافِها، سِواء في مُواجَهاتٍ عَسكريّةٍ تقليديّةٍ مُباشِرة، أو مِن خِلال حَرب مُقاومة على غِرار ما حَدَث في العِراق بعد احتلالِه، أو ما يَحدُث حاليًّا في أفغانستان، وهُناك العَديد من المُؤشِّرات التي تُؤكِّد هذا التَّوجُّه.. والأيّام المُقبِلة سَتكون حافِلةً بالمُفاجآت غير السَّارةِ طبعًا لترامب وحُلفائِه.
“رأي اليوم”