تناقض سياسة بن سلمان يطيح بمستقبل الاستثمارات ورؤية 2030

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 539
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 تراكمت تقارير المؤسسات الاقتصادية العالمية التي تؤكد أن تناقض سياسة ولي عهد السعودية محمد بن سلمان قوَّض مستقبل الاستثمارات وأجهض رؤية المملكة 2030، ورسخ في الأذهان أن بلاده من أخطر البيئات الاستثمارية "ومقبرة" لرؤوس الأموال.

تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، الصادر يوم 7 يونيو 2018، أشار بوضوح إلى انهيار الاستثمارات في السعودية خلال السنوات الماضية، إذ هبط الاستثمار الأجنبي المباشر عام 2017 إلى 1.4 مليار دولار، انخفاضاً من 7.5 مليار دولار العام 2016، ومن 12.2 مليار دولار في عام 2012.

وتعني هذه الأرقام أن السعودية تأخرت عن اقتصادات أصغر منها بكثير من حيث القدرة على اجتذاب الاستثمارات الدولية، إذ إن سلطنة عُمان مثلاً استقطبت استثماراً أجنبياً مباشراً بقيمة 1.9 مليار دولار في عام 2017، كما اجتذب الأردن 1.7 مليار دولار، بحسب تقرير لمجلة "فوربس" الأمريكية.

وتلقي المجلة الأمريكية الضوء على ما وصفته بانهيار الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية عام 2017، بحسب أحدث بيانات الاستثمار العالمي (أونكتاد)، مما يثير تساؤلات حرجة حول آفاق خطة الإصلاح الاقتصادي، التي يشرف عليها بن سلمان.

ففي الوقت الذي تعجز فيه السعودية عن اجتذاب رؤوس الأموال، يتمكن آخرون من اقتطاع حصة أكبر من كعكة الاستثمارات الدولية. فقد تضاعفت حصة الإمارات من الاستثمار الأجنبي المباشر في منطقة غرب آسيا عموماً خلال السنوات الست الأخيرة، إذ كانت نسبتها 19% في عام 2012 وصارت 41% في 2017، وهذا ما لم تحققه المملكة.

أما دولة قطر فقد تمكنت- رغم الحصار المفروض عليها منذ يونيو 2017- من زيادة حصيلتها من الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2017، حيث اجتذبت 986 مليون دولار في العام 2017، مقارنة بـ 774 مليون دولار في عام 2016.

الكاتب دومينيك دادلي يُعلق على البيانات التي سجلتها السعودية، بحسب مجلة "فوربس"، قائلاً: إنها "ستكون مقلقة لصانعي السياسة في الرياض، إذ إن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد جعل من مسألة اجتذاب المستثمرين الأجانب أحد عناصر خطته الطموحة للإصلاح الاقتصادي".

ويضيف دادلي أن كل أفكار بن سلمان؛ من إنشاء مدن جديدة، وفتح أسواق للسياحة والترفيه، وتخفيف قيود الملكية الأجنبية للشركات المدرجة بالبورصة السعودية، تعتمد على إقناع المستثمرين الأجانب بجلب أموالهم إلى المملكة، لكن "النزعات الاستبدادية" للنظام السعودي قوَّضت ثقة المستثمرين الحاليين والمحتملين، ويشير في ذلك إلى حملات الاعتقال التي طالت أمراء ورجال أعمال وناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان، وهو ما زاد من حجم المخاطر أمام خطته الإصلاحية.

- ضعف سياسي يضرب الاقتصاد

تشير نظريات السياسة الناجحة إلى ضرورة العمل على تقليص كمية الأعداء مع زيادة الأصدقاء أو الحلفاء، وهو ما بدا أن بن سلمان يعمل عكسه، بحسب مراقبين، حيث زاد أعداءه وخصومه، وقلل الأصدقاء داخلياً وخارجياً، فضلاً عن الإطاحة بأقرب الناس منه في العائلة المالكة في سبيل الصعود إلى سدة الحكم.

 


حارب بن سلمان علماء وخبراء واقتصاديين ورجال أعمال وصحفيين، وزج بهم في السجون من دون محاكمات وتهم واضحة، مع تصاعد حجم الصراعات القبلية بين شيوخ القبائل في المملكة.

لم ينتهِ الأمر حتى في حرب اليمن أو محاصرة قطر، أو معاداته للكثير من التيارات الفكرية والحركات الإسلامية حول العالم، أو حتى لدول طالما كانت تمثل عمقاً بالنسبة إلى المملكة إقليمياً ودولياً مثل تركيا، التي يُساء لها عبر "تويتر" من قبل جيوش "الذباب الإلكتروني"، التي تُدار من داخل الديوان الملكي.

لذلك، يرى الكاتب البريطاني، باتريك كوكبيرن، أن بن سلمان، المتهم بـ"الميكافيلية"، قد أضعف مكانة المملكة بمشاريعه "غير المنطقية"، ليمهِّد الطريق أمامه نحو العرش منذ الإطاحة بمعارضيه داخل وخارج العائلة المالكة، رغم تقلص الفرص أمامه لتحسين وضع المجتمع السعودي داخلياً وتدني مكانة المملكة خارجياً.

وجاء حصار قطر في 5 يونيو 2017 ليكون "القشة التي قصمت ظهر البعير"، ويكشف للرأي العام مسلسل فشل السياسة الخارجية السعودية، الذي يمتدّ لأكثر من 5 عقود من الزمن.

لذلك، تثير جميع قرارات ولي العهد السعودية، فيما يخص الشأن الداخلي أو الخارجي، الكثير من التساؤلات حول نجاعة الاستثمار في بيئة لا تستند إلى قواعد وأنظمة حكومية واضحة، إذ تبقى جميع رؤوس الأموال وحياة رجال الأعمال والمستثمرين تحت رحمة "المزاج" أو الحالة النفسية لـ"بن سلمان"، كما فعل مع شخصيات عالية المستوى وألقى بهم خلف قضبان فندق "ريتز كارلتون" الشهير، وانتزع منهم نحو 106 مليارات دولار عزز بها موازنة الحكومة.


ارتفاع البطالة

يشعل السعوديون موقع "تويتر" على رأس كل شهر بسبب ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء، في ظل الزيادة الكبيرة بنسبة البطالة، رغم الخطط الإصلاحية المعلنة منذ نحو 4 سنوات، حيث بات المواطن السعودي يرى أن رؤية 2030 هي فقط للاستهلاك الإعلامي، وأن بلادهم تنفق المليارات خارجياً في حين أن الفقر والجوع والبطالة تنخر في المجتمع نخراً.

ومنذ منتصف العام 2017، حركت أرقام البطالة المتصاعدة، التي كشفت عنها هيئة الإحصاء العامة السعودية، مخاوف العاطلين عن العمل من فشل رؤية 2030 في تحقيق آمالهم وتوفير الوظائف لهم، إذ ارتفعت إلى 19% في ظل تراكم الخطط الإصلاحية المعلن عنها.

وقفز عدد الباحثين عن فرص عمل من 906 آلاف و552 شخصاً في الربع الأول من العام نفسه، إلى مليون و75 ألفاً و933 فرداً بحلول الربع الثاني، نسبة الإناث منهم 80%، وزادت هذه النسبة 169 ألفاً و381 شخصاً خلال 3 أشهر فقط عام 2017.

 


وتظهر هذه الزيادة بنسبة العاطلين عن العمل، في بلد تجني فيه شركة "أرامكو" النفطية فقط أرباحاً قيمتها عام 2015 وصلت إلى 478 مليار دولار، بحسب موقع "World Atlas" الاقتصادي، حيث تربعت الشركة على هرم شركات النفط العالمية من حيث قيمة المبيعات.

ويعكس الارتفاع المتواصل لنسبة البطالة في السعودية مخاوف لدى الشباب- الذين يشكلون 58.5% من المجتمع السعودي- من فشل رؤية 2030، التي أعلنها ولي العهد في أبريل 2016، في تحقيق هدفها بخفض نسبة البطالة من 11.6% العام الماضي إلى 7% في العام 2030.

ولعل ما يزيد تشاؤم العاطلين عن العمل في السعودية بنجاح رؤية 2030 في تقليص البطالة، حالة الانكماش الاقتصادي المتزايدة التي تمر بها المملكة، التي لا يمكنها مطلقاً استيعاب تلك الأعداد الكبيرة من الباحثين عن عمل، رغم إنهاء المملكة خدمات نحو مليون عامل وموظف خلال العامين الماضيين.

- أموال مهدرة

وبنظرة بسيطة على مدخرات ولي العهد السعودي، التي اكتسبها خلال عام واحد أو أنفقها لشراء ولاءات وذمم شخصيات حول العالم لتعزيز نفوذه وتسويق نفسه دولياً، يتضح أنه منح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نحو 450 مليار دولار خلال زيارته للرياض، في مايو 2017، بدعوى أنها استثمارات وإنشاء مشاريع مشتركة بين الرياض وواشنطن، كما اشترى يختاً بـ500 مليون دولار، ولوحة فنية بـ450 مليون دولار، وقصراً في فرنسا بـ300 مليون دولار، وأكثر من 50 مليار دولار لنظام السيسي منذ انقلابه على الرئيس المعزول محمد مرسي ولحد الآن.

وبعد دعم الرياض لبيروت بمليارات الدولارات خلال السنوات الماضية، وصل إنفاق وسخاء الحكومة السعودية إلى المليشيات الكردية شمال سوريا، بعد تكفلها بدفع 200 دولار شهرياً لكل عنصر، في خطة ثلاثية؛ أمريكية - سعودية - إماراتية، في محاولة للضغط على أنقرة وسحب قواتها من الشمال السوري، ووقف هجماتها على الفصائل الكردية المسلحة، التي تهاجم القوات التركية عبر الحدود السورية - العراقية منذ نحو 4 عقود.

- ضرائب ومعاناة

مع تراجع نمو القطاع الاقتصادي غير النفطي في المملكة إلى الصفر تقريباً نهاية العام 2017، وإجراءات تقشفية أثقلت كاهل الاقتصاد بشدة، اقتنعت المملكة بأن الخصخصة وفرض الضرائب ورفع أسعار المحروقات هي الرهان الأفضل لإنقاذ "رؤية 2030" من الانهيار.

وعلى أساس تقييم المسؤولين السعوديين لـ"أرامكو"، البالغ تريليوني دولار، فإن بيع حصة 5% قد يدرُّ 100 مليار دولار، رغم أن معظم المحللين المستقلين يتوقعون تقييماً أقل بكثير، وقد تجني الحكومة منه 50 مليار دولار أو أكثر بقليل.

وفي ظل تضارب خطط بن سلمان الإصلاحية، أثار رفع أسعار الكهرباء والمحروقات، وفرض ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات بنسبة 5%، مطلع 2018، حفيظة قطاع كبير من السعوديين، لتعود تلك الإجراءات بنتائج عكسية على الاقتصاد والحكومة والمشاريع التنموية.

- تخلي المستثمرين

تخلى أغلب رجال الأعمال الكبار والمستثمرين الأجانب عن دعم خطط بن سلمان، بعد مساومة الأخير لمعتقلي "الريتز" على ثرواتهم، حيث أوصلت هذه العملية رسالة مفادها أنه لم يعد هناك أحد محصّن في المملكة، وإمكانية تعرّض أي مستثمر أو رجل أعمال للاعتقال التعسّفي أمر وارد جداً، بحسب موقع "بيزنس إنسايدر"، المتخصّص في شؤون المال والاستثمار.

 

وكان ملف الفساد في السعودية واحداً من بين أكثر الملفات التي تثير قلق المستثمرين الأجانب، إلا أن عملية الريتز كشفت عن وجود مخاطر استثمارية أخرى، وهو ما دفع الكثير من الشركات الأجنبية إلى التراجع عن دخول السوق السعودية، أو الخروج منها.

وبحسب الموقع، فإن كل المؤشرات تؤكد أن سعي بن سلمان السريع لتولي السلطة سيؤدي إلى انهيار سريع لخططه الاقتصادية، خاصة في ظل الانشقاق الكبير داخل صفوف الأسرة الحاكمة.

- ثالوث الفساد

بات الكثير من السعوديين يشعرون بالتشاؤم تجاه أوضاع بلادهم ومستقبلها، رغم تحدث الإعلام الرسمي عن خطط حكومية واعدة، إذ أوضح استطلاع رأي أجرته صحيفة "سبق" السعودية، في يناير 2018، مع شركة الأبحاث الرقمية (DRC)، أن "استغلال النفوذ" و"تبديد المال العام" و"الرشوة"، تمثل ثالوث فساد ينخر بلادهم.

واعتبر الاستطلاع الذي أجري حول "قياس ظاهرة الفساد وأثر القرارات الحالية على نظرة المجتمع"، أن 74% من المُستطلَعين يرون أن استغلال النفوذ هو أخطر أشكال الفساد على الوطن، كما حصل اختلاس وتبديد المال العام على نسبة 67%، في حين جاءت الرشوة في المرتبة الثالثة كأخطر أشكال الفساد بنسبة 54%، وحصلت الوساطة والمحسوبية على 41%.

أيد العديد من الشباب السعوديين إصلاحات بن سلمان في البداية؛ لكن هذا التحول الكبير- كما يرى سعوديون على وسائل التواصل الاجتماعي- أصبح يواجه تحدياً خطيراً في بلد يمتلك أكبر احتياط نفطي، ولم يستطع حل "المشاكل المزمنة"، ومنها أزمتا السكن والبطالة، وهو ما قد يقلب خطط الإصلاح عكسياً على السلطة.