التفاصيل الكاملة لمؤامرة تصفية القضية الفلسطينية بتعاون سعودي إماراتي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1071
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

شادي خليفة
 في تقرير مطول أعده «آدم أنتوس» لمجلة «ذا نيويوركر» تحدث الكاتب الأمريكي عن النظام الجديد في الشرق الأوسط، وخطط الرئيس «دونالد ترامب» لحشد (إسرائيل) ودول الخليج في مواجهة إيران على حساب الفلسطينيين في المقام الأول.
وفي السطور القادمة يستعرض «الخليج الجديد» ترجمة متصرفة لأهم ما جاء في مقال «أنتوس» حول خطة «ترامب» ورئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» لتصفية القضية الفلسطينية بمعاونة السعودية و(إسرائيل) ضمن ما يسمي بـ«صفقة القرن».
في مواجهة «أوباما»
بعد ظهر يوم 14 ديسمبر/كانون الأول 2016، حضر سفير (إسرائيل) لدى الولايات المتحدة، «رون ديرمر»، من سفارته إلى البيت الأبيض، لحضور احتفال بمناسبة عيد الأنوار «هانوكا» اليهودي.
كانت إدارة «باراك أوباما» في أيامها الأخيرة، وكان من بين الضيوف بعض من أنصار الرئيس الأكثر تحمسا لليهود، الذين كانوا هناك ليقولوا له وداعا.
لكن «ديرمر»، مثل «نتنياهو»، لم يكن يشعر بالأسف لذهاب «أوباما»؛ فالقيادة الإسرائيلية كانت تنتظر على «أحر من الجمر» بدء رئاسة «ترامب».
إذ كان «نتنياهو» مستاءً من تصريحات «أوباما» بأن (إسرائيل) ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان الأساسية في معاملتها للفلسطينيين،؛ ما يمثل عقبة أمام تحقيق الأمن في المنطقة وفي (إسرائيل) نفسها.
وقد ساءه، أيضا، محاولة «أوباما» إيجاد نوع من توازن القوى بين السعودية وإيران في الشرق الأوسط، ورأى أنها كانت فكرة ساذجة، وأنها تقلل من شأن عمق النوايا الخبيثة لإيران في جميع أنحاء المنطقة.
ورغم ذلك، لم يكن «أوباما» مناهضا لـ(إسرائيل)، وقدمت إدارته للبلاد دعما عسكريا واستخباراتيا هائلا، كما أنه كان حمي «نتنياهو» في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عندما استخدم، في 2011، حق النقض «الفيتو» لإيقاف قرار يدين بناء المستوطنات اليهودية.
وعارض «أوباما» الجهود التي بذلها الفلسطينيون للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، بعد أن استغاث «نتنياهو» عبر الهاتف أمام مستشاري الرئيس بأن هذا يعد «رأسا نووية تستهدف حكومته!».
لكن بحلول ولاية «أوباما» الثانية، لم يعد معاونوه يتضايقون لإخفاء إحباطهم من الإسرائيليين.
وقال «بنيامين رودس»، أحد أقرب مستشاري السياسة الخارجية لـ«أوباما»: «لم يكونوا صادقين أبدا في التزامهم بالسلام. لقد استخدمونا كغطاء، لجعل الأمر يبدو وكأنهم كانوا في عملية سلام. لقد كانوا يديرون مسرحية، يقتلون الوقت، وينتظرون الإدارة الجديدة».
وفي وقت متأخر من ولاية «أوباما» الثانية، جلب وزير الخارجية «جون كيري»، إلى البيت الأبيض، كومة من خرائط الضفة الغربية التي أعدتها وزارة الخارجية وفحصتها وكالات الاستخبارات الأمريكية.
ونشر «كيري» الخرائط على طاولة كبيرة.
وقال «فرانك لوينشتاين»، أحد كبار مستشاري «كيري»، إن الخرائط سمحت له برؤية «غابة الأشجار».
وعندما تم تجميع مناطق الاستيطان، والبؤر الاستيطانية غير القانونية، فقد غطت نحو 60% من الضفة الغربية، وكان هذا يعني استحالة تحقيق حل الدولتين.
وكان الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» فقد كل الثقة في جهود إدارة «أوباما».
وقال «عباس» لـ«كيري»: «أنت تطلب مني أن أنتظر، وأنتظر، وأنتظر، لكن لا يمكنك قول هذا للإسرائيليين».

الخطة الجديدة
ومع خروج «أوباما» من البيت الأبيض، تمكن «نتنياهو» من التركيز على جعل فريق «ترامب» يتبنى استراتيجيته الكبرى لتحويل اتجاه السياسة الشرق أوسطية.
وكان طموحه الرئيسي هو تقويض القضية الفلسطينية كمحور لاهتمام العالم، وتشكيل تحالف مع السعودية والإمارات لمحاربة إيران، التي طالما دعمت «حزب الله» في لبنان و«حماس» في غزة، واستفادت من الحماقة الأمريكية في العراق والحرب في سوريا.
وكان «جون كيري» عمل على إعادة بدء محادثات السلام بين (إسرائيل) والفلسطينيين، لكن عندما انهارت المفاوضات عام 2014، طلب «نتنياهو» من «إسحق مولخو»، أحد أكثر مستشاريه ثقة، التركيز على رعاية الاتصالات السياسية مع الدول العربية.
إذ كان «نتنياهو» يريد نقل العلاقات مع الإمارات والسعودية إلى ما بعد القنوات السرية.
ومع نهاية الحملة الانتخابية لـ«ترامب»، كان لدى الإسرائيليين «فهم واضح» لرؤية مستشاري «ترامب»، وفي مقدمتهم صهرة «غاريد كوشنر»، للشرق الأوسط، ومدى معرفتهم بالقضايا، لا سيما القضية الفلسطينية.
وقال مسؤول أمريكي سابق إن الإسرائيليين «رسموا كل ذلك»، وأعربوا عن ثقتهم بأنهم قادرون على التقدم باتجاه أولوياتهم.
وكان تركيز «نتنياهو» الرئيسي هو إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، وتوجيه الولايات المتحدة نحو مواقف أكثر صدامية مع طهران.
لكن الأهم في قائمة أمنيات «نتنياهو» كان نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
وفي أواخر سبتمبر/أيلول 2016، أي قبل 7 أسابيع من الانتخابات، حضر «نتنياهو» الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة.
واقترح «كوشنر» على «ديرمر» أن يلتقي «نتنياهو» مع «ترامب» أثناء زيارته، اعتقادا بأن مثل هذا الحدث سيساعد على تحفيز الناخبين المسيحيين الإنجيليين لصالح «ترامب». إذ يتمتع «نتنياهو» بشعبية بين المسيحيين الإنجيليين.
وقال «ديرمر» إن الاجتماع كان وسيلة مهمة لإقامة «علاقة شخصية قوية» بين القادة، والتخفيف من أي سوء فهم سابق.
وقابل «نتنياهو» المرشحة الديموقراطية للرئاسة آنذاك «هيلاري كلينتون» أيضا.
وقال أحد مساعدي «كلينتون» إن «نتنياهو» أوجز خطة تدعو الدول العربية إلى اتخاذ خطوات نحو الاعتراف بـ(إسرائيل)، مقابل قيام (إسرائيل) بتحسين حياة الفلسطينيين.
وفي وقت لاحق، بعد سلسلة من عمليات بناء الثقة، كانت الدول العربية تضغط على الفلسطينيين لقبول صفقة كاملة مع الإسرائيليين، في صفقة من المرجح أن تكون أقل فائدة للفلسطينيين مقارنة بما رفضوه في المفاوضات السابقة.
وعلمت «كلينتون» أن الإمارات والسعودية كانا يعملان بالفعل مع «الموساد» من وراء الكواليس لمواجهة النفوذ الإيراني.
وأوضح «نتنياهو» لـ«كلينتون» أنه يريد دعم الرئيس المقبل لتقوية تلك العلاقات السرية وتحريكها في نهاية المطاف إلى العلن.
وقدم «نتنياهو» و«ديرمر» نفس العرض حول «الفرص الإقليمية» إلى «ترامب» واثنين من مستشاري الأخير هما «كوشنر» و«ستيف بانون».
وكانت مهمة إقناعهم أسهل، على الأقل جزئيا؛ لأنهم لم يتمتعوا بخبرة كبيرة في تاريخ المنطقة الطويل، ولم يكن عليهم بعد صياغة استراتيجية مفصلة خاصة بهم.
وكان «بانون» مولعا بفكرة التحالف بين (إسرائيل) ودول الخليج. وأخبر مستشار سابق في حملة ترامب «ذا نيويوركر» أن «ديرمر» و«نتنياهو» عرفا ذلك، ونجحا في إلهام نهج الإدارة الجديدة تجاه الشرق الأوسط.
وبالعودة إلى ديسمبر/كانون الأول 2015، كان «ترامب» قد تحدث في حدث بواشنطن، برعاية التحالف اليهودي الجمهوري.
فقد تحدث بوجهة نظر ساخرة بشكل خاص عن الفلسطينيين، معتقدا أن تأسيس دولة لهم سيكون «نقطة انطلاق لتدمير إسرائيل والشعب اليهودي».
لكن أثناء حملته الانتخابية، كان «ترامب» مهتما بالظهور كمحايد بين الإسرائيليين والفلسطينيين بالحديث عن الحاجة لإنهاء الصراع.

صفقة القرن
ولأعوام عديدة، ناقش المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون والأمريكيون قيام دولة فلسطينية عاصمتها على الأقل جزء من القدس الشرقية. وبعد أن أصبح من الواضح اقتراب «ترامب» من الحصول على الرئاسة، أراد «شيلدون أديلسون»، الملياردير اليهودي الأمريكي، دعم «ترامب» على أمل حذف مسألة تقسيم العاصمة من الطاولة.
لكن بعد أن حث «جيمس ماتيس» و«ريكس تيلرسون»، المرشحان لمنصب وزير الدفاع ووزير الخارجية، على الحذر، قرر «ترامب» تأجيل الخطوة.
وقال مقرب من «ترامب» إن «أديلسون» بدأ في الشكوى، وصاح في مكالمة هاتفية مع أحد كبار مساعدي البيت الأبيض: «أنتم تجعلونني أحمقا».
وفي نهاية المطاف، مع ضغط «أديلسون» وآخرين على «ترامب» بتحذيره من أنه يخاطر بفقدان دعم المسيحيين الإنجيليين، قرر التعجيل بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
ورغم الجدل حول توقيت تحريك السفارة، إلا أن «ترامب» أظهر كل علامة على كونه ليس مجرد مؤيد لـ(إسرائيل)، لكنه مؤيد لحزب الليكود، الذي يتزعمه «نتنياهو»، بشكل أكبر.
وبوجود «ترامب»، أصبح لدى «نتنياهو» حرية العمل كما كان يتمنى فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية. وأصبح استنكار البيت الأبيض، ودعوته إلى ضبط النفس أثناء تفجر العنف في الضفة الغربية وقطاع غزة، من الماضي.
وكان «ترامب» مقتنعا، كما قال لأصدقائه، أنه كان مناسبا بشكل فريد التوسط في «صفقة القرن».
وفي محادثات خاصة، أعرب عن تأييده العام لحل الدولتين.
ومنذ توليه منصبه، قال علنا إنه يفضل أي حل يمكن أن يتفق عليه الطرفان.
وقرر «ترامب» وضع «كوشنر» على رأس ملف القضية الإسرائيلية الفلسطينية، دون أن يسأله مسبقا ما إذا كان يريد المهمة أم لا.
وقال مسؤول كبير في إدارة «ترامب» إن قرار الأخير كان منطقيا؛ لأن زعماء دول الخليج العربي، الذين يديرون بلدانهم مثل الشركات العائلية، كان من الطبيعي أن يشعروا بارتياح أكبر في التعامل مع أحد أفراد عائلة «ترامب».
وعمل مستشارو «ترامب» على أن يعتقد الفلسطينيون أن قيمة أسهمهم آخذة في الانخفاض ـوهي استراتيجية نادى بها «نتنياهو» و«ديرمر». وكان الهدف هو جعل القيادة الفلسطينية تقبل اقتراحات «واقعية» أكثر مما قدمها لهم رئيس الوزراء السابق «إيهود باراك»، عام 2000، و«إيهود أولمرت» عام 2008.
ويقول مسؤولو الاستخبارات الإسرائيليين إن «محمود عباس» بات يشعر بأنه أكثر عزلة من أي وقت مضى.
وفي الماضي، منح الدعم من الدول العربية للفلسطينيين الثقة لمقاومة الضغط الأمريكي والإسرائيلي لتخفيض مطالبهم.
وكان هذا الدعم مشروطا دائما، لكنه يبدو الآن أكثر هشاشة.
كما نجحت الإدارات الأمريكية المتعاقبة في إضعاف رغبة «عباس» لمواجهة الضغوط الخارجية.
وقال مسؤول كبير في إدارة ترامب لـ«ذا نيويوركر»: «لقد اتخذ الرئيس قرارا استراتيجيا هاما في عامه الأول».
ويعتقد هو ومسؤولون آخرون أنه إذا خسر الفلسطينيون «ترامب» الآن، فإنهم يخاطرون بـ«3 إلى 7 أعوام من العلاقات السيئة» مع مانح مهم للمساعدات.
ويعيش 2 مليون من سكان غزة في ظروف قاتمة بشكل خاص.
ويعتمد ثلثا سكان غزة على المساعدات الإنسانية وغيرها من الخدمات التي تقدمها منظمة تدعى «الأونروا»، (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين).
وفي وقت سابق من هذا العام، جمد «ترامب»، في محاولة واضحة لزيادة الضغط على «عباس»، دعم الولايات المتحدة المالي للوكالة.
وحذر مسؤولو الأمم المتحدة مرارا من إمكانية إجبارهم على إغلاق مدارس الوكالة أو حتى الحد من المساعدات الغذائية للقطاع.
لقد باتت القيادة الفلسطينية تعاني منذ وصول «ترامب» إلى السلطة.
وكان الفلسطينيون منقسمين ومرهقين ولا يثقون بعمق في حكومة «نتنياهو»، لكن مع «ترامب»، عرفوا أنهم لم يعودوا مركز اهتمام العالم.

اتصالات «ترامب» و«عباس»
بينما اتصل «أوباما» بـ«عباس» على الفور تقريبا بعد أدائه اليمين، انتظر «ترامب» قرابة الشهرين قبل أن يضع أحد العاملين في البيت الأبيض «عباس» على الخط مع الرئيس في 10 مارس/آذار 2017.
ووصل «ترامب» بسرعة إلى نقطة الحديث الرئيسية.
وسأل «عباس»: «ما رأيك؟ هل يمكننا القيام بصفقة سلام؟».
ولم يجب «عباس» على سؤال «ترامب» مباشرة.
وأولا، أشاد «بالنتائج الديمقراطية العظيمة» للانتخابات الأمريكية.
وأوقف «ترامب» «عباس» قائلا: «نحن نتحدث عن اتفاق سلام تاريخي. ما رأيك؟»
ورد «عباس»: «أعتقد أنه من خلال المفاوضات يمكننا تحقيق السلام مع الإسرائيليين»، مضيفا أنه «مستعد للتحدث مع نتنياهو من أجل بدء المفاوضات».

وقال «ترامب»: «هذا جيد جدا».
ثم سأل «ترامب»: «هل تعتقد أن بيبي (الاسم المفضل لنتنياهو) يريد عقد صفقة؟ ما هو رأيك؟».
وأذهل السؤال «عباس»؛ إذ لم يسبق أن طلب منه أي رئيس أمريكي من قبل تقييم نوايا رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وكرر «ترامب» السؤال. ورد «عباس» بحذر: «هو رئيس وزراء (إسرائيل). ليس لدينا أي خيار آخر».
ووافقه «ترامب»: «نعم. ليس لديك خيار».
وبعد ذلك وصف «ترامب» نفسه بـ«المحايد»، ووعد «عباس» بـ«منحه 100% من جهوده».
وبدا «عباس» معجبا بمهارة «ترامب»، أو على الأقل قرر أنه من الأفضل أن يبدو مشجعا له.
إذ قال: «نحن نعتمد عليكم، سيدي الرئيس. نعتقد أنه يمكنك فعل ذلك».
ثم جاء لقاء «عباس» مع «ترامب» في 3 مايو/أيار 2017، في المكتب البيضاوي.
وأخذ الاجتماع منحى مثيرا للجدل عندما سأل «ترامب» عن تقديم السلطة الفلسطينية أموال لأسر السجناء في السجون الإسرائيلية الذين وصفهم الرئيس الأمريكي بـ«الإرهابيين».
وحسب كبير المفاوضين الفلسطينيين، «صائب عريقات»، قال «عباس» للأمريكيين إن الفلسطينيين دخلوا في نزاع طويل مع (إسرائيل)، وأننا «نعتني بعائلات الشهداء».
وبعد الاجتماع، جهز «ترامب» مأدبة غداء لـ«عباس»، لكن «بانون» رفض ذلك، وقال إنه لن «يأكل مع شخص في يديه دم يهودي بريء»، على حد وصفه.
وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، قابل «ترامب»، بعد رحلته إلى الرياض، «نتنياهو» في القدس.
وهناك، عرض عليه رئيس الوزراء مقاطع فيديو تحتوي على مقتطفات من خطابات لـ«عباس»، يحرض فيها على العنف، وفقا لترجمات الحكومة الإسرائيلية.
وبعد فترة وجيزة، سافر «ترامب» إلى بيت لحم وواجه «عباس» بتلك المقاطع، واتهمه بأنه كان يحاول خداع الإدارة الجديدة للتفكير بأنه ملتزم بالسلام، حسبما قال مسؤولون أمريكيون.
واتهم الفلسطينيون «نتنياهو» بعرقلة عملية السلام؛ مما دفع «ترامب» لتغيير الموضوع.
وأخبر «عريقات» لاحقا «ذا نيويوركر» أن «نتنياهو» كان يستخدم «كل حيلة» لإقناع «ترامب» بأن «عباس» لم يكن جديرا بالثقة.
وكانت لقاءات «كوشنر» مع «عريقات» مهينة بشكل خاص.
وفي أحدها، اشتكى «عريقات» من أن الفلسطينيين يواجهون مشاكل في تنظيم لقاءات مع الإسرائيليين.
وأوضح «كوشنر»: «لقد أخبرناهم بأنهم لا ينبغي عليهم أن يجتمعوا معكم الآن».
وقال «عريقات» إن ذلك لا معنى له: «من الأفضل لنا لقاء الإسرائيليين. أنت لن تصنع السلام لنا».
واحتفظ «كوشنر» بهدوئه وقال: «تعتقد أنك ستستلقي في منزلك، وتشرب الشاي، وتكون قادرا على الاتفاق على شيء لم تتمكن من الاتفاق عليه لمدة 25 عاما؟».
وكان «عريقات» غاضبًا، ووصف معاملة فريق «ترامب» له بـ«المهينة».
وفي حديث آخر، أخبر «عريقات» «كوشنر» أنه شعر بأنه يتعامل مع «وكلاء عقارات»، وليس مسؤولي البيت الأبيض.
ورد «كوشنر» بالقول: «صائب، أنت لم تنجح في الوصول إلى السلام مع السياسيين. ربما تحتاج لأن تجرب وكيلا عقاريا».
وفي 6 ديسمبر/كانون الأول 2017، أعلن «ترامب» قراره بنقل السفارة.
وانسحب «عباس» تقريبا من المحادثات.
وكان رد الفعل الشعبي من العواصم العربية خافتا بشكل ملحوظ.
ومع ذلك، أخبر قادة دول الخليج العربي «كوشنر» بشكل خاص أن القرار جاء بنتائج عكسية.
وقال مسؤول عربي كبير إنه قبل قرار القدس أبلغ الزعماء العرب «كوشنر» أنهم على استعداد للضغط على «عباس» لقبول ما عرضه «ترامب» على الفلسطينيين.
وبعد القرار، أخبروا «كوشنر» أنهم لن يكونوا قادرين على الضغط على «عباس» لقبول الخطة الأمريكية؛ بسبب المعارضة الشعبية.

تعقد الأمور
وبدأ «عباس» بالانقلاب على الإدارة الأمريكية والإسرائيلية.
وفي صراع السلطة التالي، اتهم الصقور المناهضون لإيران في البيت الأبيض، وحلفاؤهم في الإعلام اليميني، خصومهم الداخليين بأنهم أكثر ولاءً لجدول أعمال «أوباما» من «ترامب».
وبحلول صيف 2017، وضعوا نصب أعينهم على مستشار الأمن القومي، الجنرال «ماكماستر»، الذي اتهموه بمعاداة (إسرائيل).
وفي مارس/آذار 2018، تم استبدال «مكماستر» لصالح «جون بولتون»، الذي اتخذ موقفا أكثر تشددا ضد الفلسطينيين.
وأشار «شاؤول موفاز»، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، إلى أنه عندما كان «بولتون» سفيرا في الأمم المتحدة، «حاول إقناعي بأن (إسرائيل) بحاجة إلى مهاجمة إيران».
ومع بدء احتفال 14 مايو/أيار 2018 في القدس بإقامة السفارة الأمريكية الجديدة، كان الجنود الإسرائيليون يطلقون النار على الفلسطينيين الذين تجمعوا بالقرب من السياج الأمني ​​المحيط بقطاع غزة، للاحتجاج على الخطوة.
ومات ما يقرب من 60 فلسطيني في ذلك اليوم.
واتهم الفلسطينيون وجماعات حقوق الإنسان وحكومات أجنبية مختلفة الجيش الإسرائيلي باستخدام القوة المفرطة في غزة.
وقال متحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية، «تيريزا ماي»، إن «(إسرائيل) لديها الحق في الدفاع عن حدودها. لكن استخدام إطلاق النار الحي أمر مزعج للغاية».
وهاجم الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» رئيس الوزراء الإسرائيلي «نتنياهو».
ورد الناطقون باسم الحكومة الإسرائيلية بأن الجيش كان يدافع عن الشعب والأراضي الإسرائيلية.
وبين كل ذلك، كان «كوشنر» و«ترامب» يشيدان بـ«نتنياهو» كرجل للسلام.
وردا على العنف في غزة، أصدرت دول الخليج استنكارا وتأييدا للفلسطينيين، لكن المسؤولين الإسرائيليين نظروا إلى هذه اللغة على أنها مجرد أمر استعراضي، على غرار ردود أفعالهم تجاه قرار القدس. فقد تحول تركيز العرب عن الفلسطينيين، وكان شبح المواجهة مع إيران هو الأبرز.
ويعتزم «كوشنر» إطلاق خطة سلام للشرق الأوسط في الأشهر المقبلة.
ورسالته للفلسطينيين هي: «إذا كنتم ترغبون في العمل معنا، فاعملوا معنا. وإذا كنتم لا ترغبون في العمل معنا، فلن نصر على ذلك».
ويعلم «نتنياهو»، الذي لم يكن متحمسا لحديث «ترامب» عن التوصل إلى «صفقة القرن»، أنه من أجل تمرير الخطة فإن الدول العربية ستطالب (إسرائيل) بتقديم تنازلات، وهو ما لن يكون مقبولا لدى حزب الليكود.
وإذا فشلت خطة «كوشنر» في منح عاصمة للفلسطينيين في القدس الشرقية، فإن القادة العرب قد لا يكون لديهم خيار سوى رفض الصفقة.
وقال مسؤول كبير في الإدارة إن الخطة ستركز على «كيفية جعل حياة الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني أفضل بكثير»، ووصفها بأنها صفقة «عادلة».
وحاول «ترامب» تقديم نفسه كوسيط محايد في «الصفقة»، لكن مستشاريه، «كوشنر»، و«ديفيد فريدمان»، و«جيسون جرينبلات»، لم يكونوا ليصبحوا أكثر تماشيا مع أهواء «نتنياهو» إذا كان قد اختارهم بنفسه.
وقبل أن يتولى «فريدمان» منصبه كسفير في (إسرائيل)، أطلعه خبراء من وزارة الخارجية على الوضع الإنساني الرهيب في قطاع غزة.
وفي نهاية العرض التقديمي، وفقا لأحد الحضور، قال «فريدمان»: «أنا لا أفهم. الناس الذين يعيشون هناك هم مصريون في الأساس. لماذا لا تستطيع مصر استعادتهم؟».
وأوضح أحد المعلقين لـ«فريدمان» أن ثلثي سكان غزة كانوا لاجئين، أو ينحدرون من لاجئين؛ مما يعني الآن أنهم فلسطينيون.
وكان 5 سفراء أمريكيين سابقين إلى (إسرائيل) وقعوا رسالة تقول إن «فريدمان» غير مؤهل لهذا المنصب.
لكن «نتنياهو» كان مسرورا بهذا التعيين.
في النهاية، يبدو أن الفلسطينيين هم الأقرب للخسارة في الشرق الأوسط الجديد.
وكما قال أحد كبار المسؤولين العرب عن التحالف الاستراتيجي العربي الإسرائيلي: «مع أو بدون خطة سلام، سيحدث التحالف».
وقال أحد كبار مستشاري «ترامب»: «إيران هي السبب في حدوث كل هذا».

المصدر | الخليج الجديد