مع دُخولِ الأزمةِ الخليجيّة عامَها الثَّاني: هل نَشهَد إعادة الحياة للوَساطةَ الكُويتيّة بعد عيد الفِطر؟ ولماذا حذَّرت السعوديّة قطر من شِراء صواريخ “إس 400” الرُّوسيّة؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 774
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 تَدخُل الأزمة الخليجيّة غَدًا الثلاثاء عامَها الثَّاني دون أن يَلوح أيُّ مُؤشِّرٍ على حَلٍّ وَشيكٍ، ولكن تَظل دولة قطر المُتضَرِّر الأكبر منها، وإن كانت حُكومَتها تُؤكِّد دائِمًا أنّها نَجحت في التأقلُم مَعها، وامتصاصِ مُعظِم آثار الحِصار السِّياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ المَفروض عليها، إن لم كُلها.
تَطوُّران رئيسيّان يُمكِن رَصدُهُما على صَعيدِ هذه الأزمة، تُؤكِّدان أنّ جَمر نيرانِها ما زال تَحت الرَّماد، رغم مُحاولات “الإنكار” التي تَصدُر بين الحِين والآخر عن أطرافِها من خِلالِ تصريحاتٍ صِحافيّة:
ـ الأوّل: طلب المملكة العربيّة السعوديّة التي تَقود تَحالُف الدُّوَل الأربَع المّقاطِعة، من فرنسا إقناع دولة قطر بعدم شراء منظومات صواريخ “إس 400” الرُّوسيّة المُتطوِّرة المُضادَّة للطَّيران وإلا اضطرَّت للإقدام على عَملٍ عَسكريٍّ ضِدها، حسب ما جاء في صحيفة “لوموند” الفرنسيٍة نَقلاً عن مصادِر سِياسيّة عُليَا.
ـ الثاني: إعلان السيد خالد العطية، نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع القطري في مُؤتمرٍ أمنيٍّ انعقد في سنغافورة قبل يومين أنّ بِلاده لن تَنخرِط في حَربٍ ضِد إيران، ولكنّه تَهرَّب من الإجابةِ في الوَقتِ نفسه عمّا إذا كانت بلاده ستَسمح باستخدام قاعدة العيديد لشَن غاراتٍ ضِد إيران، واكتفى بالقَول أنّ أمريكا أكثر حِكمَةً من أن تَخوض حَرْبًا ضِد الأخيرة.
أهميّة هذين التَّطوُّرين تَكمُن في أنّهما تتعلَّقان بجَوانِب عَسكريّة، فاحتجاج السعوديّة على شِراء قطر لصواريخ “إس 400” المُضادَّة للطائِرات التي تَسعى هِي نفسها لشرائِها من موسكو، يعني أنّ احتمالات اللُّجوء إلى الخيارات العَسكريّة ضِد قطر ما زالت وارِدة حيث من المُتَوقَّع أن يَلعب السِّلاح الجويّ السعوديّ الأضخَم في المِنطَقة بعد نظيره الإسرائيليّ دورًا كبيرًا في حالِ اللُّجوء إلى هذهِ الخَيارات.
أمّا ما يَتعلَّق بالنُّقطةِ الثَّانِية، أي مُشارَكة دُول خليجيّة في الهُجوم الأمريكيّ غير المُستَبعد على إيران، فإنّ هذهِ القضيّة قد تَكون الأخطَر التي سًتُواجِه قطر وحُكومَتها، في حالِ جرى تسخين “الحَرب البارِدة” المُندَلِعة بين واشنطن وطِهران، لأنّ استمرار الحُكومة القَطريّة في علاقاتها الوَثيقة مع طِهران قد يكون مَوضِع تَوتُّر مع الإدارةِ الأمريكيّة.

تَهرُّب السيد العطية من الإجابة عن سؤال ما إذا كانت ستَسمح حُكومة بِلاده للولايات المتحدة باستخدام قاعدة “العيديد” لضَرب إيران في حال لُجوئِها إلى خيار الحرب لتغيير النظام في طِهران، كان التَّصرُّف الأسلَم والأذكى، لأن قطر لا تَملُك قرار السَّماح من عَدَمِه، وكان الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري الأسبق واضِحًا وصَريحًا، في هذهِ المسألة عندما أكًّد في لِقاءٍ مع قناة “الجزيرة” أنّ بِلاده لا تَملُك أيَّ قرارٍ بشأن استخدام هذه “القاعدة” من عَدَمِه، لأنّ القرار في هذا الشأن أمريكيٌّ بالدَّرجةِ الأُولى، وقطر دولة صغيرة لا تستطيع الوقوف في وَجه دَولةٍ عُظمَى بحَجم أمريكا.

مُحاوَلات السُّلطات القطريّة المُستمرَّة لإيجاد مخرج من الأزمة تبدو منطقيّةً ومُبرَّرة، لأنّ إطالة أمدها ليس في صالِحها، ولعلَّ الزِّيارة الخاطِفة التي قام بها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر إلى الكويت لتَهنِئَة أميرها صباح الأحمد بِقُدوم شهر رمضان المُبارك هي إحدى هذهِ المُحاولات.
كان لافِتًا ما كَشَفته صحيفة “الراي” الكُويتيّة مساء أمس عن مَضمونِ رسالةٍ خطيّةٍ حملها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير الخارجيّة القطري، من الشيخ تميم إلى أمير الكويت يُؤكِّد على استعداد الأخير لحُضور أي اجتماعٍ يدعو إليه الشيخ الصباح الأحمد بشأن الأزمة الخليجيّة، وتَمنِّيه في هذهِ الرسالة على “أن تكون الصَّراحة والشفافيّة وغِياب الإملاءات والشُّروط المُسبَقة الأساس لأي لقاءاتٍ أو اجتماعاتٍ قادِمة، مِثلَما تَمنَّى الشيخ تميم أيضًا “تفعيل الآليّة الجديدة لِحَل النِّزاعات التي طَرَحتها القِمّة الخليجيّة الأخيرة في الكويت”.
هذا “الحِراك” الدِّبلوماسيّ القَطريّ عبر قناة الوِساطة الكويتيّة وتَوقيته يَعكِس استعدادًا ومُرونةً قطريّة، ولكن هل سَيجِد تَجاوبًا إيجابيًّا من الدُّوَل الأربَع المُقاطِعة، وخاصَّةً المملكة العربيّة السعوديّة ودَولة الإمارات؟
بمَعنى آخر هل يشمل هذا الاستعداد القَطري التَّجاوب من المَطالِب السِّتّة الرئيسيّة أو بَعضِها، التي تَشترِط الدُّوَل الأربع تلبَيتها للدُّخول في مُفاوضاتِ مُصالَحة، وخاصَّةً مطلب إغلاق “الجزيرة” وأذرع إعلاميّة أُخرى إلى جانب قطع العلاقة مع حركة “الأخوان المسلمين” وتَجفيف الدَّعم الماليّ والسِّياسيّ والإعلاميّ لها؟
لا نَملُك أيَّ إجابةٍ على هذهِ الأسئلة، بسبب حالة التَّكتُّم من قِبَل طَرفيّ الأزمة، لكن مع تَصاعُد حِدَّة التَّصعيد الأمريكي ضِد إيران، وقُرب فَرض عُقوباتٍ اقتصاديّةٍ أشد عليها، ومُطالبة الدُّوَل الخليجيّة السِّت بالانخراط بِقُوَّةٍ فيها، سيَبدو استمرار الأزمة الخليجيّة نَشازًا.
الكويت هي التي تَملُك ملامِح الصُّورة كامِلةً، ومَوقِفها الحِيادي في هذهِ الأزمة أعطاها مِصداقيّةً كَبيرةً، ولَعَلَّ تَراجُع حِدَّة التَّراشُق الإعلاميّ التي نَشهَدها حاليًّا، وتأتي بِطَلبٍ كويتيّ، مُقَدِّمات لتَحَرُّكٍ كُويتيٍّ يُعيد الحَياة للوَساطة، ربّما نَرى بعض إرهاصاتِه بعد عُطلَة عيد الفِطر.. والله أعلم.
“رأي اليوم”