هل تشهد عمان أولى إرهاصات الابتعاد عن واشنطن؟: “صمت مطبق” على الاجراءات الامريكية وصورة الملك مع روحاني تأكيد على “جنوح” أردنيٍّ من بوابة اسطنبول..

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 508
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ولقاء عسكريّ بين قائد الجيش والتحالف الأوروبي “يناكف” حلفاء التاريخ ويعرض خدماته.. وسفير طهران يضمن جنوب سوريا ويكرر “أمن الأردن من أمن إيران”
برلين ـ “رأي اليوم” – فرح مرقه:
 تجنح العاصمة الاردنية عمان بعيدة عن الحلف الامريكي والسعودي (والاسرائيلي بطبيعة الحال)، وهي تصمت “فجأة” إزاء كل ما يتعلق بإيران ابتداءً من الملف النووي وانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منه، مرورا بفرض العقوبات ووصولاً لاستراتيجية وزير خارجية واشنطن مايك بومبيو ضد طهران والتي اعلنها قبل يومين، مضمناً اياها انه سيوقع بالاخيرة “أقوى عقوبات في التاريخ”.
عمان تصمت، رغم ان الاستراتيجية الاخيرة قد تكون تضمنت ما تريده من انسحاب ايراني من سوريا والعراق وهو ما طالبت به بالقرب من حدودها مرارا وهي تسمي القوات الايرانية واللبنانية بـ “المليشيات الطائفية”، الا ان حسابات العاصمة الاردنية تبدأ بالتبدل اليوم مع المعطيات الجديدة، سواء المتعلقة بالقدس والقرار الامريكي حولها، او حتى بمراقبتها الحثيثة للجنوب وادراكها تفاصيل اكثر عما يجري به، من اختفاء للايرانيين ومقاتلي حزب الله.
في الملف الايراني تحديداً، قد لا تكون صورة الملك عبد الله مع الرئيس الايراني حسن روحاني والتي انتشرت باعتبارها أول لقاء منذ 15 عاماً “مؤشراً”، قدرما تكون “تأكيداً” على أن عمان تبحث عن مصالحها اليوم أكثر. والجنوح نحو الايرانيين او حتى نحو الاتراك وحلفائهم (حيث حصل اللقاء بين الملك وروحاني أصلا في القمة الاسلامية في اسطنبول) ليس الاصل، وانما الاصل ان عمان تبتعد عن محورها التاريخي: واشنطن- السعودية، وهذا بحد ذاته غير مسبوق بهذه الصورة منذ بداية الملكية الرابعة في الاردن (شباط/ فبراير 1999م).
بالمعنى المذكور تقرأ العاصمة الأردنية المعطيات الجديدة كلها من منظور مصالحها (ومصالح نظامها السياسي) المرتبطة أولاً وأخيراً بالقدس، وهنا يمكن قراءة التشخيص الأردني كمتماشٍ مع المنطق، حيث “الغريم الحقيقي” لعمان ليس اسرائيل بالدرجة الاولى وانما الحليفين في واشنطن والرياض قبل اسرائيل، وبالتالي يستبق الاردن الاحداث جميعا بصمت على الخطوات الامريكية ودون اي تعليق، وبتعميق وجوده كمقرّب من الاتحاد الاوروبي (المدافع حتى اللحظة عن الاتفاق النووي مع ايران) وهنا القاعدة مشتركة في ملف القدس اولا ثم في الرغبة من الخروج من العباءة الامريكية وايجاد هامش مناورة.
قائد الجيش الاردني- رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق الركن- محمود فريحات، وبالتزامن مع احتفالات واشنطن بافتتاح سفارتها في القدس، وتصريحات صهر الرئيس الامريكي جاريد كوشنير التي نقل فيها الوصاية في القدس من الاردن لاسرائيل، كان (فريحات) يشارك في مؤتمر رؤساء اركان دول الاتحاد الاوروبي، ويؤكد ان الاردن يريد السلام في المنطقة وانه “جاهز ليضيف عمقاً لقوات التحالف الاوروبي”.
فريحات في تصريحاته- التي نقلها عنه الموقع التابع للقوات المسلحة “هلا أخبار”- قال حرفيا “موقعنا الإسترايجي والجغرافي ولغتنا وثقافتنا تدعم فرصنا بالتدريب، خصوصاً لأننا نتفهم تعقيدات المنطقة التي تواجهنا يوميا، وسنكون مساهمين في المهمات التي ستضيف عمقاً حقيقياً لقوات التحالف (الاوروبي)”. وهنا تدرك عمان ان التحالف الاوروبي نشأ واكتسب اهميته ككيانٍ موازٍ لقوات حلف شمال الاطلسي “الناتو” التي باتت الادارة الامريكية- برأي اوروبا- تذهب بها بعيداً عن التوافقات.
بهذا المعنى، فالاردن يحاول هو الاخر رسم خطٍ موازٍ لتحركاته في الخط الامريكي، ويستثمر في اهم موارده وهي موقعه الاستراتيجي، والذي يهتم به الاوروبيون (بدليل منحة بنك التنمية واعادة الاعمار الاوروبي ومنح الاتحاد نفسه) بالاضافة لقدراته العسكرية، والاخيرة تحديدا كانت لسنوات عديدة في اقرب موقع للامريكيين منها لاي كيان اخر.
عمان من جهة ثانية، ضمنت مصالحها المتعلقة بغياب الوجود الايراني عن حدودها الشمالية سلفا، وهذا ما اكده السفير الايراني في عمان مجتبى فردوسي بور في حوار له مع يومية الغد الأردنية، حيث نقلت انه جدد نفي وجود ميليشيات إيرانية في الجنوب السوري أو على حدود الأردن، بل وأكد أن إيران ‘لم تشارك في معركة الغوطة ومعركة تطهير منطقة دمشق من الجماعات المسلحة، حيث من المعروف أن من شارك فقط هو الجيش السوري وبدعم من الجانب الروسي’.
سفير طهران في ذات المقابلة كرر جملة شهيرة كان قد قالها وزير الخارجية الاردني ايمن الصفدي عن دول الخليج، فقال فردوسي بور ان “امن ايران من امن الاردن”، مناكفا بذلك العبارة الشهيرة “امن الاردن من امن الخليج” التي تمسكت بها عمان طوال الفترة الماضية.
بهذه التفاصيل، اذا ما اضفنا لها علم عمان التام برفض المعارضة السورية المسيطرة على معبر نصيب تسليمه للجيش السوري النظامي، والمحادثات التي لا تزال تجري بالخصوص، وغياب واشنطن عن اخر اجتماعات استانا التي ثبتت خفض التصعيد في الجنوب، بالاضافة للدعم الامريكي التام لاسرائيل في الهجمات الاخيرة في سوريا والتي تهدد الحدود الاردنية، يمكن أن يظهر أكثر للمتابع أهمية الابتعاد الاردني عن المحور الامريكي، أو حتى ايجاد عمان لنفسها مساراً موازيا.
بكل الاحوال، يدرك المراقب ان الاردن لن يتجه لايران مباشرة وببساطة خصوصا مع التعقيدات الكثيرة التي تحيط بالاخيرة، ولكن تحرك عمان المتسارع “سياسياً” باتجاه تركيا، يضمن لها البقاء بمسافة اقرب لايران ولقطر اللتين بدأت ارهاصات الجنوح نحوهما بالظهور. كل ذلك، يتم بهدوء ودون عجلة في الوقت الذي ترصد فيه اليوم العاصمة الاردنية اي اشارة عن “خطة كوشنير” التي من المتوقع الاعلان عنها بعد العيد (منتصف يونيو/ حزيران)، كما لا تبدو راضية في الاثناء عن السلطة الفلسطينية وتتوجس من تحركاتها، التي من ضمنها “مرض الرئيس محمود عباس” المفترض.
المهم والأهم، ان تبني عمان لنفسها مساراً صلباً في اتجاه ترغب به والا تضيع المزيد من الفرص، حيث يصر حلفاؤها التاريخيون حتى اللحظة باعتبارها “تناور” فقط ولا تستطيع الاقدام على خطوات حقيقية.