حتى بعد رحيل جابريل … شركات ألمانية تعاني من الأزمة الدبلوماسية بين ألمانيا والسعودية بسبب اعتقال بن سلمان للحريري

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2009
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

الرياض ـ من بينو شفينجهامر وميشائيل فيشر: منذ ستة أشهر تظهر السعودية إعراضا في التعامل مع ألمانيا، سواء على المستوى السياسي أو على الاقتصادي، وذلك إما بإلغاء زيارات رسمية أو تجاهل شركات ألمانية في صفقات. ديتليف داوس رجل أعمال ألماني يواجه هذه المشكلة. فمنذ نحو 40 عاما يمارس ديتليف نشاطه في السعودية. فشركته “في-لاين”، التي تتولى شراء قطع الغيار للمنشآت الصناعية، نمت عبر نشاطها مع السعودية، لكنه يستشعر الآن “إعراضا” من الجانب السعودي، على حد تعبيره. ورغم أن السعودية تضخ حاليا مئات المليارات في إعادة هيكلة اقتصادها، لكن شركة داوس وشركات ألمانية عديدة أخرى لا تستفيد من ذلك. فالسعوديون يتجاهلون ألمانيا على نحو ممنهج بسبب أزمة دبلوماسية.
زمن اندلاع الخلاف يمكن تحديده بدقة: في 18 تشرين ثان/نوفمبر الماضي، أي قبل نحو ستة أشهر، حين سحبت السعودية سفيرها الأمير خالد بن بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود من برلين، وذلك في أعقاب تصريحات غير دبلوماسية على نحو غير معتاد من وزير الخارجية السابق زيجمار جابريل تجاه السعودية.
وفي ذلك الحين كانت تدور تقارير تفيد بأن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري موقوف ضد إرادته في الرياض، وهو ما دفع جابريل لوصف السياسة السعودية بأنها تتسم بـ”روح المغامرة”، مضيفا أنه أمر لا يمكن قبوله أو السكوت عنه. وأثارت هذه الإهانة العلنية غضب السعودية، لدرجة أن اسم “جابريل” وحده صار يثير غضب بعض المسؤولين في أروقة الوزارات السعودية.
وكشفت تقارير داخلية تعود إلى تشرين ثان/نوفمبر الماضي أن تصريحات جابريل أثارت الاستياء بين دبلوماسيين ألمان أيضا، وهو ما دفع السفارة الألمانية في الرياض إلى توصية الخارجية الألمانية في برلين بنبرة واضحة بتهدئة حدة التصريحات. وجاء في تلك التقارير: “نرى من موقعنا – رغم أن كثيرين في برلين لن يحبوا سماع ذلك – أنه حان وقت إنهاء التقريع العلني أو الخفي للسعودية”.
كما أوصت التقارير بضرورة استيعاب السعودية على نحو مختلف في ضوء “الإصلاحات الأكثر شمولا للبلاد على الإطلاق”، مشيرة إلى أن المصالح الاقتصادية الألمانية في البلد المقبل على الانفتاح “معرضة حاليا لخطر كبير”.
وقد بلغت قيمة الصادرات الألمانية للسعودية العام الماضي ما يزيد عن 5ر6 مليار يورو.
وبحسب التقارير، طالب السعوديون ببيان علني من الجانب الألماني “لعودة الأمور إلى طبيعتها”. وقبيل عيد الميلاد (الكريسماس) خفف جابريل من حدة تصريحاته على نحو واضح في مقابلة مع صحيفة عربية. ورغم ذلك لم تعد الأمور إلى طبيعتها.
يقول المدير التنفيذي لغرفة التجارة الخارجية الألمانية في الرياض، أوليفر أومس: “شركاؤنا السعوديون لديهم انطباع بأن ألمانيا تمتنع عن الاعتراف لهم بإصلاحاتهم التاريخية”، مضيفا أن الشركات الألمانية في السعودية في قلق متزايد وتخشى على نشاطها هناك. ولا يبدو أن هناك ما يدعو للتفاؤل، حيث لا تتوقع برلين أن يتم الالتفات إلى الشركات الألمانية حاليا في المناقصات بالسعودية.
وكان المسؤولون في وزارة الخارجية الألمانية يأملون أن تُحل المشكلة من تلقاء نفسها عقب تغيير قيادة الوزارة، إلا أنه اتضح أن الأمر لن يكون بهذه السهولة بالنسبة لوزير الخارجية الألماني الجديد هايكو ماس، لأن حزبه الاشتراكي الديمقراطي يواجه مشكلة جديدة مع السعودية في ميثاق الائتلاف الحاكم الذي أبرمه مع التحالف المسيحي المنتمية إليه المستشارة أنجيلا ميركل، وهي: حظر إبرام صفقات أسلحة جديدة مع الدول المشاركة “على نحو مباشر” في حرب اليمن. هذا البند يمس بالطبع السعودية، لأنها تقود تحالفا من ثماني دول لمحاربة المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن.
الرياض بإمكانها شراء أسلحة من أي مكان آخر، ورغم ذلك قيّمت هذا الحظر بأنه عمل غير ودي، فالسعودية تعتبر حربها في اليمن شرعية تماما وضرورية للغاية.
وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قال في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) خلال إجراء مفاوضات الائتلاف الحاكم في ألمانيا في شباط/فبراير الماضي إن ألمانيا تورد أسلحة أيضا لدول تشارك في الحرب ضد تنظيم داعش في سورية والعراق أو ضد حركة طالبان في أفغانستان، مشيرا إلى أن الحكومة الألمانية تحدث فرقا في قراراتها بشأن تصدير الأسلحة بين “الحروب الشرعية”، وقال: “الأمر يبدو لي غريبا ولا يساهم في مصداقية الحكومة الألمانية”.
ورغم خروج جابريل من الخارجية الألمانية، يبدو ترميم العلاقات الألمانية-السعودية عملا صعبا. فقد أرسل ماس في آذار/مارس الماضي فور توليه مهام منصبه رئيس قسم شؤون الشرق الأوسط في وزارته إلى الرياض، إلا أنه – بحسب معلومات (د.ب.أ)- تم إلغاء زيارة ثانية على نفس المستوى في نهاية نيسان/أبريل الماضي بسبب عدم اهتمام الجانب السعودي.
وجلس ماس على طاولة واحدة مع نظيره السعودي الجبير خلال اجتماع حول الأزمة السورية في باريس قبل أسبوعين، إلا أنهما لم يتطرقا إلى المشكلات في العلاقات الثنائية. وقد تسنح فرصة جديدة للتحدث حول هذا الشأن خلال اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين المقرر عقده في العاصمة الأرجنتينية بوينس آريس مطلع الأسبوع المقبل.
وتأتي الممانعة السعودية على ما يبدو بتوجيه من أعلى، من ولي العهد محمد بن سلمان، رجل السعودية القوي. وكانت وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية حذرت عام 2015 من اندفاعه وتأثيره على السياسة المستقبلية للسعودية.
يقول رجل الأعمال الألماني داوس، الذي يعمل في شركته في ألمانيا 140 موظفا وفي الخارج 110 موظفين: “لدينا مشكلة واضحة تماما. العلاقات السياسية بين ألمانيا والسعودية لم تكن سيئة على هذا النحو من قبل”. واستثمر داوس الملايين ليستفيد من الفرص التي تقدمها إعادة الهيكلة الضخمة للاقتصاد السعودي “الرؤية السعودية 2030″، والتي تسعى إلى تقليل اعتماد البلاد على إيرادات النفط. لكن في المقابل يدور الحديث بين شركاء اقتصاديين الآن عن مدى سوء العلاقات بين البلدين.
يقول داوس إن أحد عملائه، الذي كان يصل حجم مبيعات شركته له مليون يورو شهريا، علق التعاون مع شركته قبل بضعة أسابيع. وذكر داوس أنه يتردد على سمعه باستمرار أن من بمقدوره المساعدة في حل هذه المشكلة المستشارة فقط، وقال: “آمل أن تحل ميركل المشكلة”.