«ستراتفور»: النظام السعودي يعيد تعريف علاقته بالدين من أجل البقاء

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 854
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
تحاول السعودية تغيير صورتها في الداخل والخارج.
 وفي هذا الصدد، كشف ولي العهد «محمد بن سلمان» عن مجموعة لافتة من الإصلاحات الاجتماعية، بما في ذلك إجراءات لفتح دور سينما في البلاد، والسماح للنساء بقيادة السيارات، وتلقيص نفوذ «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
كما أعلن عن خطط لتخليص المدارس والجامعات في المملكة مما يعتبره «فكرا متطرفا».
ويعد تغيير الطرق التي يمارس بها السعوديون الإسلام في الحياة العامة، إلى جانب الإصلاحات الأخرى، جزءا من الاستراتيجية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة، ويسعى النظام السعودي من خلالها -مثل التغييرات الأخرى- إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية.
ولطالما كان الإسلام مصدرا مهما لشرعية النظام الملكي في المملكة، الذي يسيطر بشدة على تعريفه للدين ليتناسب مع أغراضه الاستراتيجية.
وتعمل الرياض على إعادة تشكيل الإسلام في السعودية مرة أخرى لتحقيق أهداف الملك وولي العهد؛ لأن ذلك يسهل من الدفع بإصلاحات اجتماعية واقتصادية يحتاجها النظام الملكي للبقاء على قيد الحياة في القرن الحادي والعشرين.

أداة استراتيجية
كان الإسلام دائما أداة محورية في تاريخ وسياسة السعودية.
وإبان تأسيس المملكة الحديثة، تحالفت أسرة آل سعود مع أتباع عالم الدين «محمد بن عبد الوهاب» للتغلب على الانقسامات القبلية والإقليمية التي طالما أعاقت توحيد مناطق شبه الجزيرة العربية.
ونجحت الاستراتيجية؛ حيث أعطى المحاربون الوهابيون القوات القبلية السعودية الانضباط والتحفيز، بينما بشر رجال الدين بالواجب الديني المتمثل في خضوع مختلف القبائل والمناطق في شبه الجزيرة العربية لسلطة الملك.
وبعد أن أمنت الملكية السعودية البلاد تحت حكمها، أصبح المحاربون الوهابيون جزءا من استراتيجية الملك السعودي.
وأراد المقاتلون، في أعماق قناعاتهم الدينية، الاستيلاء على الكويت والعراق القريبين من الاستعمار البريطاني، وهو صراع كان من الممكن أن يدمر المملكة بسهولة.
ولتجنب هذا المصير، انقلبت المملكة على المحاربين الوهابيين الذين أشعلوا «ثورة الإخوان» بين عامي 1927 و1930، وقامت بتدمير قوتهم.
وكانت هذه هي أول مرة تقوم فيها السعودية الحديثة بتكييف الإسلام لملاءمة احتياجاتها الاستراتيجية.
وفي عام 1979، هزت الثورة الإيرانية، والغزو السوفييتي لأفغانستان، وحصار المقاتلين السنة للمسجد الحرام في مكة، أسرة «آل سعود»؛ مما دفعها إلى تغيير مسارها مرة أخرى.
وبدأت القيادة السعودية بدعم وتطبيق شكل أكثر محافظة من الإسلام لصد التهديدات من قبل إيران، وتهديدات الشيوعية، وتهديدات المتشددين السنة في المملكة الذين زعموا أن الملكية انحرفت كثيرا عن الإسلام.
وأبقت الاستراتيجية الملكية في السلطة بأمان لما يقرب من 40 عاما، لكن علامات التوتر بدأت بالظهور.

فوائد التغيير
ويمنح تغيير دور الإسلام في الحياة العامة الرياض العديد من المزايا، وسيمكن ذلك الملك من تعزيز حكمه.
ومنذ أن أصبح وليا للعهد في يونيو/حزيران 2017، تخلص «بن سلمان» بشكل مطرد من تأثير عائلته، تاركا علماء الدين كآخر قيد غير رسمي على سلطة الملك.
ومع تخفيف تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال العام وتشجيع ممارسة دينية أكثر استرخاء، فسيقلل ذلك من نفوذ علماء الدين أيضا.
وبالفعل، قلصت السلطات السعودية نفوذ بالفعل سلطة «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» فيما يتعلق بدورها في فرض معايير السلوك العام.
وإضافة إلى تقليص سلطة علماء الدين، فإن التغييرات في المجتمع السعودي على مدى العقود القليلة الماضية أدت إلى تقليص هيبتهم أيضا.
إذ نشأ الشباب السعوديون الذين ولدوا منذ عام 1980، بما في ذلك ولي العهد نفسه، في بيئة مختلفة عن بيئة آبائهم وأجدادهم.
وكان التقدم التكنولوجي والتغيير الثقافي الهادئ الذي أحدثه سمة ثابتة لحياتهم؛ فأطلعوا على أساليب الحياة والثقافات الأجنبية في سن أصغر.
والنتيجة هي أن الأجيال الأصغر سنا تعد أكثر اطلاعا وارتباطا ببقية العالم، وأقل ارتباطا بالأعراف الاجتماعية والدينية في المملكة.
ووجد استطلاع رأي لعام 2016 أن 62% من الشباب في منطقة الخليج يعتقدون أن الدين يلعب دورا أكبر مما ينبغي في الحياة اليومية.
وفي ضوء هذا الاتجاه، من المرجح أن تستهوي جهود الحكومة لتغيير مكانة الدين في المملكة -مهما كانت طفيفة- الشباب السعودي.
وسيربح النظام الملكي بعض النقاط في شعبيته عبر تكييف سياسات البلاد لتناسب المناخ الثقافي الحالي والواقع الذي يعيشه معظم الشباب في البلاد.
ولتعظيم المكاسب السياسية مع الشباب السعوديين، سيستخدم الملك وولي العهد الإخوان المسلمين كـ«كبش فداء».
وسيساعد إلقاء اللوم على الجماعة أيضا في تعزيز شرعية الملك، عبر تأكيد سلطته على رجال الدين الأقوياء.

مزايا جيوسياسية
وإضافة إلى الفوائد المحلية لتعديل دور الإسلام في المملكة، تفضي المبادرة إلى مزايا للعلاقات السعودية الدولية أيضا.
إذ تعتمد المملكة على الأسواق العالمية والطرق التجارية والعلاقات الخارجية من أجل البقاء.
ويتطلب الحفاظ على هذه العلاقات طمأنة الولايات المتحدة وحلفاءها بأن المملكة لا تأوي ولا تشجع من يعتبرونهم «متطرفين».
ومنذ أن أقرت الولايات المتحدة قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) عام 2016، تواجه الحكومة السعودية احتمال رفع دعاوى قضائية، وربما الاستيلاء على أصولها في أمريكا لدورها المزعوم في هجمات 11 سبتمبر/أيلول.
وجعل القانون -الذي تم تمريره بدعم ساحق من الحزبين الجمهوري والديموقراطي رغم الفيتو الذي استخدمه الرئيس السابق «باراك أوباما»- المملكة حذرة من إمكانية فرض عقوبات ضدها، وهو احتمال بعيد لكن يمكن تصوره.
وعلى أمل تجنب هذه النتيجة، تسعى المملكة إلى تحسين صورتها على المسرح العالمي.
وعلاوة على ذلك، فإن مراجعة علاقة النظام الملكي بالإسلام، قد يساعد المملكة في تعزيز علاقتها الناشئة مع (إسرائيل).
ويمكن لـ(إسرائيل) أن تشكل حليفا قويا ضد إيران إذا ما حاولت الولايات المتحدة مرة أخرى تحسين علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية.
وإضافة إلى ذلك، قد تعمل الروابط الأعمق مع (إسرائيل)، التي قد تقدمها السعودية من خلال خفض دعمها الرسمي للإسلام، على تمكين البلدين من التعاون عن كثب للحماية من التهديدات المتبادلة.

تغيير محدود
ورغم الفوائد التي قد تجنيها الحكومة السعودية، إلا أن الإصلاحات الدينية في الرياض لن تغير المملكة جذريا.
ولن يحاول الملك وولي العهد تغيير القيم الأساسية لبلادهما، ليس فقط بسبب الخوف من رد الفعل الشعبي، بل أيضا لاعتقادهما العميق بهذه المبادئ.
وبدلا من ذلك، سيركزان على تناول الممارسات والعادات الدينية التي تهدد علاقاتهم الاستراتيجية، سواء كانت محلية أو دولية.
فالمجرمون المتهمون بارتكاب جرائم مثل تهريب المخدرات سيواجهون عقوبات قاسية وفقا للشريعة الإسلامية، وسيستمر تشجيع النساء -ربما بدون فرض-على ارتداء النقاب في الأماكن العامة.
لكن دون استمرار استطلاعات الرأي الموثوقة، ستواجه الرياض صعوبة في قياس نظرة الجمهور إلى إصلاحاتها الدينية.
وقد يرتفع صوت المحافظين مرة أخرى ضد نزوع النظام الملكي بعيدا عن ما يعتبرونه الشكل الحقيقي للإسلام، كما فعلوا في عام 1979.
أما السعوديون الأصغر سنا، فقد يعتقدون أن التغييرات الحكومية متواضعة للغاية.
وقد يتسع الصدع بين المحافظين والليبراليين؛ مما يخلق العداء خاصة بين السعوديين في المناطق الريفية والحضرية، الذين يعيشون حياة متباينة بشكل كبير.
وفي هذه الحالة، قد تجد المملكة نفسها تقدم تنازلات لا ترضي أحدا، وهي معضلة لا مفر منها في دفع المملكة نحو التحول الاجتماعي والاقتصادي.
وسيكون التحدي بالنسبة للنظام الملكي هو أن يفعل كما فعل دائما؛ وهو القفز على المناقشات حول مستقبل المملكة، واحتضان الأفكار التي تقوي وجوده، وسحق تلك التي لا تفعل ذلك.

المصدر | ستراتفور