«فورين بوليسي»: «التيه» الأمريكي في الشرق الأوسط

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 351
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
 لم تحقق العملية العسكرية التي جرت الأسبوع الماضي ضد سوريا الكثير. وكانت الرسالة التي كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يعتزمون إرسالها إلى نظام «بشار الأسد» حول استخدام الأسلحة الكيمياوية ضعيفة للغاية، لدرجة أن القادة في واشنطن وباريس ولندن كان من الأفضل لهم توفير الأموال المنفقة على وقود الطائرات وصواريخ كروز بدلا من ذلك. ويعكس المشهد بأكمله ما أدركه الكثيرون بالفعل، وهو أن الرئيس «دونالد ترامب» لا يمتلك استراتيجية في سوريا.
وهذه حقيقة واضحة. لكن ذلك لا يفسر لماذا يبدو الصراع السوري، الذي زعزع استقرار بلاد الشام وأوروبا، وكأنه خارج قدرة المسؤولين والمحللين الأمريكيين، حتى قبل الإدارة الحالية، على إيجاد حل. ويتطلب ذلك فهم الجدل الأوسع وغير المحلول حول دور أمريكا في العالم.
منذ عام 2003، حين غزت العراق، لم تدرك الولايات المتحدة بعد حقيقة دورها. ويدور الكثير من النقاش حول مصالح الولايات المتحدة والسياسة الخارجية في حقبة جديدة لا يعرفها أحد بعد أو يفهمها.
وفي هذه اللحظة التي تتسم بعدم اليقين، فإن الأمريكيين غير متأكدين مما يريدون، وما هو مهم بالنسبة لهم، لكنهم ملزمون مع ذلك باتخاذ قرارات مصيرية.
ولهذا السبب فشل الرئيسان الأمريكيان في معالجة النزاع الذي خلف الكثير من الضحايا، وألحق الكثير من الضرر بالمصالح الأمريكية طويلة الأمد في الشرق الأوسط. باختصار، لم يكونوا متأكدين ما إذا كانت هذه المصالح لا تزال صالحة.
وأدى تطور الصراع السوري من الانتفاضة السلمية إلى الحرب الأهلية ثم إلى الحرب الإقليمية بالوكالة بين الجهاديين والقوى العظمى إلى وصول الصراع إلى مستوى مذهل من التعقيد جعل من الصعب تحديد من يحارب من، ولماذا.
ودفع السوريون ثمنا لا يمكن تصوره، مع مقتل ما يقرب من نصف مليون شخص، وإصابة ونزوح 11 مليون، أي ما يقارب نصف عدد سكان ما قبل الحرب. ويعتمد الأسد، وعائلته، وحاشيته في دمشق، وعناصر تمكينه في طهران وموسكو، لبقائهم، على هذا القتل الجماعي ونشر المعاناة.

سياسات غير متناسقة
وتتعدد خطايا الغرب أيضا، والتي يتراوح معظمها بين التمني، أو الإنهاك، أو الغباء، أو مزيج من الثلاثة معا. وإلا كيف يخلص أشخاص على دراية جيدة في عام 2011 إلى أن الأمر كان «مجرد مسألة وقت» قبل سقوط الأسد؟ وإلا لماذا يقلل الكثير من نفس الأشخاص من الالتزام الإيراني والروسي بنظام الأسد؟ أو لماذا لا يستطيع العالم الوصول إلى اتفاق على التخلص من الأسلحة الكيميائية السورية توسطت روسيا في تنفيذه؟
هناك العديد من الأسئلة التي يمكن للمرء أن يسألها عن الأعوام الـ 7 الماضية، لكن لا فائدة من إعادة طرحها مرة أخرى، لأن حالة النقاش تبقى بالضبط في مكانها منذ عام 2012، مقسمة بين أولئك الذين يدعون إلى التدخل الأمريكي المباشر في الصراع السوري كوسيلة لوضع حد له، وأولئك الذين يريدون البقاء خارج ما يعتبرونه حرب أناس آخرين في الشرق الأوسط. ومع ذلك، يبدو أن قلة من الناس على ما يبدو يرغبون في التعامل مع النتائج الكاملة لهذه المواقف.
والنتيجة، كان كل ما سوى القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية مشوبا بحالة من التشويش. ولا ينعكس ذلك فقط في سياسات التراجع عن تدريب وتجهيز الوكلاء على الأرض، ولكن حتى في الهجمات الجوية والصواريخ، التي لا تهدف لإحداث أي تغيير حقيقي. وكانت الضربة في 13 أبريل/نيسان نموذجا لهذه المشكلة. فقد كان ترامب حازما في الحديث عن غرض العملية ومبررها، لكنه أعاد التأكيد أيضا على قراره مغادرة سوريا «قريبا جدا»، والسماح للممثلين الإقليميين بإدارة المشهد.
ولا يظهر هذا النوع من عدم التناسق في سوريا فقط. لكن المشكلة تصيب سياسة الولايات المتحدة في اليمن والعراق، وعملية صنع السلام الإسرائيلي الفلسطيني، وحتى مع إيران. وتمثل هذه القضايا تحديات صعبة، في حين لا يعرف الأمريكيون ما يريدون في أي منها، ولم يحدد الرئيس الحالي ولا سلفه ما يجب أن يكون ذا أهمية للولايات المتحدة في المنطقة.
وربما يكون بإمكاننا الرجوع إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية القرن العشرين لنرى مصالح الولايات المتحدة واضحة من خلال أفعالها، ومن خلال ما كان الأمريكيون وقادتهم مستعدين لإنفاق الموارد عليه، وتقديم التضحيات من أجل الدفاع عنه.
وتظهر هنا قائمة مختصرة، مثل التدفق الحر للنفط من الخليج العربي، والمساعدة في حماية أمن (إسرائيل)، وضمان أنه لا توجد دولة أخرى غير الولايات المتحدة تهيمن على الشرق الأوسط، ومكافحة الإرهاب، ومنع انتشار الأسلحة النووية.
وتمت ترجمة ذلك إلى سياسات مثل مواجهة تأثير الاتحاد السوفييتي، واحتواء إيران والعراق في السابق، واحتضان المملكة العربية السعودية، والحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ(إسرائيل) على جيرانها، ودفع 80 مليار دولار كمعونة إلى مصر. وهذه الأمور مجتمعة، تشكل نهج الولايات المتحدة التقليدي لكلا الحزبين في الشرق الأوسط.

تغير الأولويات
ورغم أن هذه السياسات هيمنت على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال معظم العقود الـ 7 الأخيرة، إلا أنها لم تعد تبدو وكأنها أمر حتمي. وتظل مكافحة الإرهاب قضية مثيرة للمشاعر، ولكن الآن، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم، فإن الالتزام بأمن السعودية والخليج العربي ربما لم يعد يبدو ملائما أو جديرا بالاهتمام.
إلى جانب ذلك، لا تستطيع الدول العربية الغنية أن تشتري الأسلحة «الجميلة»، وفق كلمات «ترامب»، وتعتني بنفسها في نفس الوقت. ولا تزال (إسرائيل) تحظى بشعبية كبيرة بين الأمريكيين، ولكن مع مرور الوقت، أصبحت قضية حزبية، مما يثير تساؤلات حول أهمية الأمن الإسرائيلي إلى عدد كبير على ما يبدو من الأمريكيين الذين يصوتون لصالح الحزب الديمقراطي. ويبدو أن الأمريكيين وقادتهم لم يعودوا راغبين في تحمل عبء كونهم القوة المسيطرة في الشرق الأوسط.
ومن هنا نتأكد أن الصراع السوري لا يخص السوريين ولا يدور حولهم. وبدلا من ذلك، يتعلق الأمر بتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة، وإعادة بروز روسيا كقوة في الشرق الأوسط (على الرغم من أن طموحات موسكو أوسع من تطلعات إيران، التي تهدف إلى إضعاف الغرب). وتعد سوريا مكان تتقاطع فيه جميع المصالح الأمريكية وتتعرض للخطر. ومع ذلك، فإن ما تفضله إدارات باراك أوباما وترامب، فضلا عن أعداد كبيرة من الأمريكيين، هو البقاء خارج الصراع. ولا يستطيع الأمريكيون الإجابة عما إذا كان الاستثمار في الحرب يستحق ذلك. وليس من المستغرب أنه خلال الأعوام الـ 3 أو الـ4 الماضية، يسعى الحلفاء الإقليميون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة بغض النظر عما تعتقد واشنطن أنه حكيم.
ولذلك، ربما لم تعد المصالح التقليدية للولايات المتحدة مهمة وتستحق التضحيات المرتبطة بحمايتها. ويعني هذا أنها ربما لم تعد في الواقع مصالح الولايات المتحدة. أو ربما تظل المصالح صالحة، لكن الأمريكيين لم يعودوا يعتقدون أن السياسات المستخدمة على مدى الأعوام الـ 70 الماضية لتحقيقها ملائمة. فهل هناك طريقة مختلفة لضمان إمدادات النفط؟ وهل هناك حاجة لضمان أمن الخليج؟ وهل هناك طريقة أخرى لدعم (إسرائيل) دون قبول وتمكين سياسات تتعارض مع أهداف واشنطن الخاصة على سبيل المثال، ومنها تقديم خطة سلام خاصة بها؟ وهل هناك طريقة للسيطرة في الشرق الأوسط دون عسكرة سياسة أمريكا الإقليمية؟
ربما تكون هناك إجابات على هذه الأسئلة، ولكن لأنها صعبة، فإن الأشخاص الذين يجب أن يتداولوا بشأنها قد تجنبوا القيام بذلك. وبدلا من ذلك، لا يزال المسؤولون الأمريكيون ومجتمع السياسات يتصارعون حول نفس السؤال الخاص بسوريا. ولكن لن تكون هناك إجابات على هذا الأخير حتى نراجع سياساتنا وما نريده بالفعل. لكن النتيجة المؤسفة لكل هذا التأخير، في هذه الأثناء، هو ما نراه في سوريا اليوم.

المصدر | ستيفن كوك - فورين بوليسي