السعودية وتناقضات اقتصاد دائن ومدين معاً

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 365
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

رأي القدس
 قبل أن يصبح ولي العهد والملك الحاكم فعلياً في السعودية، استهوت الأمير محمد بن سلمان شخصية رجل الإصلاح البنيوي فترأس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وأطلق المبادرة التي عُرفت باسم «رؤية 2030» التي تهدف إلى جعل المملكة قوة اقتصادية كبرى. ورغم أن الأمير استولى على مفاتيح السلطة سريعاً، فإن المؤشرات التي أعقبت التهليل الإعلامي لتلك «الرؤية» سرعان ما فرضت صورة أخرى قاتمة، ولكنها أكثر واقعية وانسجاماً مع حقائق الاقتصاد السعودي وبنية الدولة.
وكانت اعتقالات فندق ريتز ـ كارلتون في العاصمة الرياض بمثابة الإشارة الأولى إلى مزيج من السياسات التي تسير على نقيض تام مع روحية «الرؤية»، والوعود البراقة التي حملتها في ميادين الاقتصاد والتنمية على نحو خاص. فمن جهة أولى كان الإجراء يدشن طور الجباية القسرية لمليارات الدولارات من الأمراء وكبار رجال الأعمال، بمن فيهم العرب من حملة الجنسية السعودية، تحت ستار محاربة الفساد، حتى حين أخذت بيوت المال تتناقل صفقات ولي العهد الخرافية في شراء اليخوت والقصور واللوحات النادرة.
ومن جهة ثانية، كان إجراء سجن الخمس نجوم يتوخى ترتيب بيت آل سعود داخلياً، سياسياً وعسكرياً وأمنياً ومالياً، بما يتيح للأمير أن يبعد خصوم الأمس من طراز متعب بن عبد العزيز، وخصوم المستقبل من طراز الوليد بن طلال، فضلاً عن أمراء أقلّ شأناً وإن كان بعضهم يجمع بين نفوذ العائلة وسلطة المال. وفي صلب «الرؤية» كان بن سلمان يحلم بقطاع خاص سعودي «يكون واحداً من أكبر اقتصادات العالم، ويصبح محركا لتوظيف المواطنين»، فإذا به يعتقل كبار ممثلي هذا القطاع ويجبرهم على سداد المليارات افتداء لاستعادة حرياتهم.
واليوم تفيد وكالات الأنباء بأن السعودية تقدمت بطلبات إلى عدد من المصارف العالمية الكبرى، لتجميع قرض ضخم بقيمة عشرة مليارات دولار أمريكي، وذلك لتعزيز الصناديق السيادية كما أعلن مكتب إدارة الدين السعودي. لا يخفى على أحد أن السبب الأول وراء هذه الخطوة، التي تنقل المملكة من بلد دائن إلى بلد مدين، هو أن موازنتها للعام الجاري شهدت عجزاً بقيمة 52 مليار دولار، وأنفقت في سياق بدلات غلاء المعيشة قرابة 13.3 مليار دولار. وفي غضون هذا الاختلال كانت قيمة الدين العام للمملكة قد وصلت إلى 116.8 مليار دولار في نهاية هذا العام، مقابل 84.4 مليار دولار نهاية العام 2016.
كذلك تتحدث بعض التقارير عن إجراءات أخرى تتناقض مع أهداف «رؤية 2030»، مثل منح ملكية شركة النفط الحكومية أرامكو إلى صندوق الاستثمارات العامة بغرض طرحها للاكتتاب العام، أو المساهمة بقيمة 20 مليار دولار في صندوق البنية التحتية الأمريكي الذي تديره شركة «بلاكستون غروب»، و45 مليار دولار في صندوق الاستثمار التكنولوجي لشركة «سوفت بانك غروب» اليابانية. وأما التناقض الأكبر لدولة تسعى إلى اقتراض المليارات من المصارف العالمية، فهو أنها قبل أشهر قليلة وقعت مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوداً بقيمة تزيد على 400 مليار دولار، بينها 110 مليارات في ميدان الصفقات الدفاعية وحدها.
أم أن هذا الوضع المشوه هو القانون الطبيعي، في دولة دائنة ومدينة معاً؟