صفحات من التاريخ.. هل طعنت السعوديّة القضيّة الفلسطينيّة في الظهر؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 417
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – قبل أيّام – نقل السفارة الأمريكيّة في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، واعتراف الولايات المتّحدة بالقدس عاصمة للاحتلال، تنامت في الشارع العربيّ أسئلة عن الأسباب التي جعلت الولايات المتّحدة تتّخذ هذا القرار، بالرغم من تحفّظ الرؤساء الأمريكيين السابقين، وعن مدى تحمّل الأنظمة العربيّة لهذا التراجع المخيف والمتواصل في ملف القضيّة الفلسطينيّة لصالح الاحتلال. فإذا كانت أنظمة، كالمملكة العربيّة السعوديّة، تستطيع حلّ أزمة المسجد الأقصى باتّصال هاتفيّ من الملك، فإن التساؤل عن دورها في قضيّة القدس مشروع، خصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار العلاقات الاستثنائيّة التي تجمعها بالولايات المتّحدة.

المملكة العربية السعوديّة التي تريد فرض نفسها كأقوى لاعب إقليميّ في الشرق الأوسط، من خلال قيامها بتحالفات عسكريّة، معنيّة بشكل مباشر بهذا التدهور؛ فقد طرحت – قبل سنوات – على إسرائيل مبادرة للسّلام يعتبر بموجبها الصراع العربيّ الإسرائيليّ «منتهيًا»، إن وافقت عليه إسرائيل، حسب نص المبادرة.

في السطور التالية نستطلع كيف تعاملت المملكة العربيّة السعوديّة مع القضيّة الفلسطينيّة والصّراع العربيّ الإسرائيليّ، ونبيّن تدخّلاتها التي صبّت عكس مصلحة القضيّة في كثير من المحطّات التاريخيّة.

خادم الحرمين لا يعبأ بالحرم الثّالث

قد يُفاجئ التغيّر الأخير في السياسات السعوديّة تجاه القضيّة الفلسطينيّة الكثيرين، لكن لو اطّلعنا على تسلسل الأحداث، وتاريخ تعامل النظام السعوديّ في الغرف المغلقة، وما تكشفه الوثائق السريّة؛ فسنجد أن هذه النتائج التي نراها اليوم هي وليدة تراكمات تاريخيّة، وتطبيع هادئ، كان يتمدّد منذ سنوات.

قبل أيّام من مقتله، أخرج الرئيس اليمنيّ المخلوع علي عبد الله صالح وثيقة وُصفت بالخطيرة، تحمل ختم الملك فيصل. وتعود إلى سنة 1966 خلال الحرب اليمنيّة بالوكالة، والتي دارت بين الجمهوريين المدعومين من مصر، والإماميين المدعومين من قبل السعوديّة.

تمثّل الوثيقة رسالة بين الملك السعوديّ، وبين الرئيس الأمريكي آنذاك، ليندن جونسون، وقد جاء في فحوى رسالة: «إن القوّات المصريّة لن تنسحب من اليمن، إلاّ إذا احتلّت إسرائيل سيناء والضفّة الغربيّة وغزّة»؛ ممّا فُهم على أنّه طلب سعوديّ من الأمريكيين بتشجيع الإسرائيليين على مهاجمة بلد عربيّ آخر، من أجل نُصرة السعوديين في حربهم باليمن.

تفصيل تاريخيّ صادم – إن ثبتت صحته – لمن يحمل في مخيّلته صورة مُغايرة للملك فيصل وموقفه الشهير في قطع النفط على الولايات المتّحدة؛ لمؤازرة العرب خلال حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 التي شنّتها مصر وسوريا ضد إسرائيل.

وكان بعض ما كشفته وثائق «ويكيليكس» قد هدم الكثير من البطولات المتوهّمة المنسوبة إلى الملك السعوديّ، وتشير التقارير إلى أنّ الملك قبل حرب 1973 بشهر واحد زار السفارة الألمانيّة في السعوديّة، وأكّد للألمانيين متانة العلاقات السعوديّة الأمريكيّة؛ ما اعتبره الألمان تراجعًا عن تهديدات سابقة أطلقها الملك باستخدام النفط في الصراع العربيّ الإسرائيليّ.

كما تشير الوثائق إلى أن فيصل – على عكس ما يشاع – كان مستاءً من قيام الحرب؛ لأنه سيضرّ بسمعته، إن هو لم يتّخذ موقفًا يرقى إلى مستوى الحدث؛ ممّا سيضرّ بشعبيّته أو يضعه في حرج مع الأمريكيين، كما أنه كان من المعارضين لاستخدام النفط كـ«سلاح» في السّابق، بل اعتبره مجرّد مورد اقتصاديّ يخضع للربح والخسارة، ولا ينبغي توظيفه في صراعات إقليميّة.

اقرأ أيضًا: حرب السعودية في اليمن ليست الأولى.. ماذا تعرف عن حربها ضد عبد الناصر هناك؟

بموازاة قرارات الملك فيصل، كان وزير الداخليّة – آنذاك – الأمير فهد، الذي سيعتلي العرش السعوديّ بعدها بسنوات، يؤكّد للأمريكيين – بعد يومين فقط من اندلاع الحرب – تذمّره من هذه الحرب الطائشة، وأنّ السعوديين سيضطرّون لمساعدة مصر وسوريا مراعاة للضغوط الداخليّة، كما أكّد قبل ذلك للممثّل الأمريكي لشركة النفط السعودية «أرامكو» – التي كانت في تلك الفترة شركة سعوديّة-أمريكية مشتركة – أكّد فهد أن الشراكة مع الولايات المتّحدة مهمّة للسعودية، وأنه سيحرص على أن تبقى السياسة النفطية السعودية «تحت السيطرة».

هذه الجوانب التاريخية المجهولة سابقًا، والتي أخرجتها «وثائق وكيليكس» إلى النّور تحكى تاريخًا موازيًا ومغايرًا عن القصّة المنتشرة في الخيال الشعبيّ عن «الملك الشهم» الذي قطع النفط عن الأمريكيين دفاعًا عن الشرف العربي والفلسطينيّ، خصوصًا إذا صحّ الاستنتاج القائل بأن السعوديّة في الحقيقة قد خرجت رابحة اقتصاديًّا من هذا الحظر المؤقّت الذي شهد رفعًا في أسعار النفط بلغ حدّ الـ70%.

إقرأ أيضًا: 200 عامٍ من «الدراما» السياسية: قصة تبدأ باقتياد جد الملك «سلمان» أسيرًا إلى القاهرة

الجرائم الإسرائيلية لا تزحزح الموقف السعودي المتشبث بـ«سراب» السلام

«لا تساوي الحبر الذي كتبت به»، هذا كان ردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرييل شارون على مبادرة السلام العربية مع إسرائيل، المبادرة التي أطلقها العاهل السعوديّ الراحل الملك عبد الله، وأكّدت عليها السعوديّة في قمّة الرياض سنة 2007، وتنصّ أبرز بنودها على اعتراف البلدان العربيّة بإسرائيل وإقامة علاقات طبيعيّة معها؛ شريطة انسحابها من الأراضي التي احتلّتها بعد 4 يونيو (حزيران) 1967، بالإضافة إلى إيجاد حلّ لمشكلة اللاجئين، وقبول إسرائيل بقيام دولة فلسطينيّة مستقلّة ذات سيادة

تتشبّث السعوديّة بهذه المبادرة التي يسخر منها الإسرائيليّون أنفسهم سخريّة تأتي أحيانًا بالتصريحات المباشرة، كما جاء على لسان شارون، ونتنياهو، والذي أكّد على رفضه المبادرة، وأحيانًا بالحروب الإسرائيليّة الشرسة على الأراضي العربية: فمنذ إقرار المبادرة سنة 2002، شنّت إسرائيل حربًا على لبنان 2006 سقط فيها أكثر من ألف قتيل، بالإضافة إلى هدم مئات المنازل والمباني والبنى التحيّة، بعدها بثلاث سنوات، تشنّ إسرائيل حربًا على قطاع غزّة في نهاية سنة 2009؛ تؤدّي إلى مقتل أكثر من ألف و400 ضحيّة منهم حوالي 500 طفل، لكن هذه «الأرقام» لم تزعزع الموقف السعوديّ من المبادرة التي تصرّ على طرحها، بالرغم من أن الطّرف الآخر لم يدّخر وسيلة للاستخفاف بها.

وقد دعت قطر عقب الحرب الإسرائيليّة على غزّة إلى اجتماع الدول العربيّة في «قمّة غزّة الطارئة»؛ لبحث سبل وقف العدوان الإسرائيليّ، إلاّ أن السعوديّة اعتبرت هذه المبادرة القطرية «غير لائقة»، ما اعتُبر إجهاضًا لهذه القمّة على رمزيّتها.

في سنة 2012 كرّرت إسرائيل فعلتها وأسقطت بعدوانها على القطاع المحاصر 162 ضحيّة، لكنّ هذا العدوان كان مجرّد تمهيد لعدوان أكبر وأقسى في صيف 2014؛ أدّى إلى سقوط 2322 ضحيّة، حيث تعرّضت غزّة – التي تتميّز بكثافة سكّانيّة من بين الأعلى في العالم – إلى قصف جويّ وبريّ مكثّف دام 51 يومًا.

ثلاثة حروب على غزّة أسقطت مجتمعة 4 آلاف ضحيّة. بالإضافة إلى الغارات التي تضرب دمشق بين الفينة والأخرى حسب المزاج الإسرائيلي.

تحت رئاسة نتنياهو، كان 2017 هو «عام الاستيطان الأكبر»، فمنذ تولّيه لرئاسة الوزراء زادت عدد المستوطنات غير القانونيّة بموجب القانون الدوليّ أكثر من 55%، وقد جرى تهديم ألف بيت فلسطينيّ سنة 2016 وحدها، في جهود معلنة لتهويد القدس العربيّة والضّفة ومسح الأثر الفلسطينيّ منها، والتضييق على الإنسان الفلسطينيّ أكثر.
اقرأ أيضًا: «بيت النار» يخيف إسرائيل! الأفران الشعبية تقاوم التهويد بالقدس

فإذا كان باب التوبة مفتوحًا لإسرائيل، ولو أزهقت ما شاءت من الأرواح، فلماذا ستلجأ تائبة إلى المبادرة العربيّة؟

العهد الجديد في السعوديّة.. «إيجابيّ جدًا» مع إسرائيل

كل شيء يتغيّر في «السعودية الجديدة» بسرعة البرق مع تغيّر القيادة تحت حكم الملك سلمان وابنه، لكن هذه التغييرات لم تمسّ فقط حقّ المرأة في قيادة السيّارة أو مجرّد بثّ التلفزيون السعوديّ لحفلات أم كلثوم، بل تعدّتها لتشمل الموقف السعوديّ من الفصائل الفلسطينيّة، ففي خضمّ الأزمة الخليجيّة بين قطر ودول الجوار؛ وصف وزير الخارجيّة السعوديّ عادل الجبير، في سابقة وُصفت بالخطيرة؛ «حركة المقاومة الإسلامية(حماس)» الفلسطينيّة بـ«المتطرّفة»، كمّا أكّد سفير المملكة في الجزائر على هذا التوجّه السعوديّ الجديد في وصف الحركات الفلسطينيّة المقاومة التي لا تتبع الخطّ السعوديّ بالإرهاب، بقوله: «طبعًا..هي مصنّفة (كحركة إرهابيّة)».

بعد زيارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» للسّعوديّة، ولقائه التاريخيّ مع الملوك والأمراء العرب في ما سمّي بـ«القمّة الإسلاميّة-الأمريكيّة»، وصف «ترامب» في خطابه إلى العالم الإسلاميّ حركة حماس الفلسطينيّة بـ«الإرهابيّة»، خطابٌ يُلقيه الرئيس الأمريكي من العاصمة السعوديّة «الرياض»، التي على بعد كيلومترات معدودة منها – في مكّة المكرّمة تحديدًا – وقّعت حركة حماس وحركة فتح اتّفاقًا رعته السعوديّة عُرف بـ«اتّفاق مكّة»، فما الذي تغيّر في هذه السنوات القليلة؟

الرئيس الأمريكي يرقص «العرضة» مع العاهل السعودي – المصدر: «ميدل إيست آي»

يُنهي «ترامب» خطابه، وينطلق من الرّياض في طائرته الخاصة إلى وجهة قريبة من المملكة، في أوّل رحلة جويّة رسميّة تتمّ من السعودية إلى تل أبيب، هناك يصرّح أمام وسائل الإعلام لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أنّه «عاد للتوّ من السعوديّة، وأن مشاعر القادة السعوديّين نحو إسرائيل إيجابيّة جدًا».

هذه المشاعر الإيجابيّة جدًا – كما يرى ترامب – ربما تُترجم في السرّ إلى تعاون قويّ لمنع النفوذ الإيرانيّ حسب بعض التقارير الصحافيّة، كما تساءلت صحف إسرائيليّة عن ما إذا كانت الإجراءات السعوديّة الأخيرة في لبنان ومزاعم ضغط سعوديّ على رئيس وزراء لبنان «سعد الحريري» من أجل الاستقالة هدفه الحقيقيّ دفع إسرائيل لاستغلال الموقف وشنّ حرب على لبنان. في «العهد الجديد»، الأمير تركي بن فيصل يلتقي بوزيرة الخارجيّة الإسرائيليّة السابقة ويتبادل معها الابتسامات، كما يزور الضابط السابق في أجهزة الأمن السّعوديّة الجنرال أنور عشقي إسرائيل ويلتقي بالمسؤولين الإسرائيليّين دون أن يتعرّض له النّظام بأي أذى أو مساءلة، نفس النظام الذي يلقي القبض على الأشخاص بسبب التّظاهر من أجل القضيّة الفلسطينيّة لثماني سنوات كاملة أو يطرد الجِمال والبعير بسبب خلاف سياسيّ.