مؤتمر "أزمة السعودية" بلندن.. خلاصة رؤية خبراء وسياسيين

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 368
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

شهد مؤتمر حول السعودية عُقد في لندن؛ حضورا واسعا، لاسيما مع مشاركة وزيرين بريطانيين سابقين، بينهما وزير الخارجية السابق جاك سترو، إلى جانب مسؤول  كبير سابق في وزارة الدفاع الفرنسية، في المؤتمر الذي عقد على مدار يوم كامل، السبت.

وقد تحدث سترو في الجلسة الختامية للمؤتمر؛ عن قضية الفساد في صفقة السلاح مع السعودية، والمعروفة باسم "صفقة اليمامة"، كما أشار إلى "التناقضات" في المجتمع السعودي، بينها أنه شاهد نبيذا أحمر على طاولة أمير سعودي، خلال زيارة له في قصره بالرياض، رغم أن السعودية تعاقب من يتناول الكحول على أراضيها.

وكان داوود عبد الله، رئيس مركز "ميدل إيست مونيتور" (ميمو) الذي نظم مؤتمر "الأزمة في السعودية: الحرب، خلافة العرش، المستقبل"، قد اعتبر، في افتتاح المؤتمر، أن "السعودية على مفترق طرق"، وهو ما دعا المركز لتنظيم هذا المؤتمر، رغم أن اهتمام المركز كان منصبا سابقا على القضية الفلسطينية، كما قال.

وفي كلمة افتتاحية له، اعتبر الزعيم السابق لحزب الديمقراطيين الأحرار البريطاني، بادي آشدون، أن الأخطر في ما يجري في الشرق الأوسط هو اتخاذ الصراع طابع نزاع طائفي بين السنة والشيعة، كما تحدث عن حروب بالوكالة بين إيران والسعودية، في اليمن ولبنان وسوريا.

ورأى آشدون أن التطورات الأخيرة في لبنان، والمتمثلة في استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري وتصعيد اللهجة السعودية تجاه هذا البلد، تشير إلى أن "السيناريو اليمني" يمكن أن يتكرر في لبنان.

ودعا آشدون إلى وقف مبيعات الأسلحة الغربية للسعودية؛ حتى وقف ما وصفها بـ"الهجمات العشوائية" في اليمن، كما دعا القوى الغربية لـ"تشجيع الحوار" بين السعودية وإيران.

وكان واضحا منذ انطلاق جلسات المؤتمر؛ غلبة الطابع الانتقادي على مداولاته، وهو ما أشار إليه أحد الحضور، عرّف نفسه بأنه "مؤيد للحكومة السعودية"، مشتكيا من غياب وجهة نظر الحكومة. وقد رد رئيس "ميمو" على ذلك، في تصريح خاص لـ"عربي21"، بتأكيده أنه تم توجيه الدعوات لجميع الأطراف، "بمن فيهم السعوديون والسفارة السعودية في لندن، وهم لم يستجيبوا لدعوتنا. والسؤال يوجه إليهم لماذا لم يحضرو"، بحسب تعبيره.

وأوضح أن هدف المؤتمر، الذي تضمن أربع جلسات إضافة إلى الجلسة الافتتاحية، هو "توعية" الرأي العام البريطاني بما يجري في السعودية، بمشاركة "مختصين كبار وأكاديميين" في هذا المجال؛ من دول عدة. ورأى أن مثل هذه المؤتمرات تساعد أصحاب القرار، في الشرق الأوسط "وفي السعودية بالذات" للاعتماد على أبحاث ومعلومات حقيقية وليس على "أوهام".

وكان لافتا تأخر القائمين على المؤتمر تحديد عنوان القاعة التي عُقد فيها؛ حتى وقت قريب من موعد المؤتمر، وأرجع عبد الله ذلك إلى الخشية من تعرض إدارة المقر الذي يستضيف المؤتمر لضغوط، مضيفا: "أردنا ألا يشوش علينا أحد".

 

"كيف وصلنا إلى هنا"

وخلال الجلسة الأولى، تناول المسؤول السابق في وزارة الدفاع الفرنسية، بيير كونيسا، ما أسماها بـ"الديبلوماسية الدينية للسعودية"، مشيرا إلى تحالف آل سعود وآل الشيخ. وذهب بعيدا في الحديث عن دور السعودية في تمويل مساجد في الخارج وتخريج دعاة أجانب يعودون لبلادهم لاحقا، بعد تلقيهم التعليم الديني في السعودية.

واعتبر كونيسا أن الدول الغربية لن توقف مبيعات السلاح للسعودية لأنه "زبون مهم"، موضحا أنه زار السعودية، خلال عمله في وزارة الدفاع الفرنسية، لهذا الغرض.

ولفت إلى أن التوقيفات الأخيرة في السعودية لأشخاص متهمين بالفساد؛ كانوا على علاقة بصفقات السلاح، أمر يهم شركات السلاح.

لكن الأكاديمية والمعارضة السعودية، مضاوي الرشيد؛ أوضحت أن الشركات الغربية تتنافس على بيع السلاح للسعودية، "وإذا توقفت دولة عن بيعها فستبيعها دولة أخرى".

من جهة أخرى، اعتبرت الرشيد أن السعودية تحولت من "الإقطاعيات المتعددة إلى الملكية المطلقة" في عهد الملك سلمان وابنه ولي العهد، مرجعة ذلك إلى غياب المنافسين للملك سلمان من إخوته، وأرجعت حملة الاعتقالات الأخيرة في صفوف العائلة الحاكمة إلى صراع على السلطة.

من جهته، تناول الباحث اليمني، أحمد الدبعي" ما أسماها "المغامرات السعودية الخارجية ونتائجها على الحالة اليمنية"، معتبرا أن "مستقبل السعودية يصنع في اليمن" مع إطالة أمد الحرب.

 

"أزمة حقوق الإنسان وواجهة الليبرالية"

وفي ربط للمشهد الحالي الداخلي في السعودية بأحداث مشابهة جرت في السابق، تحدث الصحفي الاستقصائي البريطاني، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، هيغ مايلز، عن المساعي السابقة للقضاء على أي "معارضة" داخل الأسرة الحاكمة في السعودية، مشيرا إلى عمليات "خطف" عدد من الأمراء من الخارج وإعادتهم لبلادهم بالقوة، ومن بينهم سلطان بن تركي بن عبد العزيز وتركي بن بندر، متهما سويسرا وفرنسا بأنهما ما تزالان تغطيان على عمليتي "الاختطاف" اللتين جرت من أراضيهما.

ورأى مايلز أن استهداف أمراء بارزين، مثل متعب بن عبد الله، يأتي باعتبارهم يشكلون "تهديدا محتملا"، كما أن هذه الاعتقالات مرتبطة بحاجة النظام السعود للمال إلى جانب رغبة الأمير محمد بن سلمان بـ"التفرد بالسلطة"، وفق مايلز.

واعتبر أن العائلة المالكة واجهت "صدمة" بسبب الاعتقالات الأخيرة، ورأى أن هذه الحملة تسببت باهتزاز الصورة عن "العائلة المتماسكة".

وتطرق مايلز إلى قضية "الجهاديين" في الشرق الأوسط، معتبرا أن سياسات دول مثل مصر والسعودية "تصب الزيت على النار" في هذا السياق، وهو ما يجعل مواجهة هذه الظاهرة "أكثر صعوبة" في ظل "الاستبداد"، كما قال.

وفي إشارته إلى سعي ابن سلمان لترويج ما يسميه "الإسلام المعتدل"، قال مايلز إن الأمير السعودي "ليس لديه إيديولوجية محددة، وما يهمه هو البقاء في السلطة"، ولهذا فإنه يسعى للتقارب مع إسرائيل لكي يرضي أمريكا، وفق تقديره.

وخلال الجلسة ذاتها التي أدارتها الوزيرة البريطانية السابقة كلير شورت، والتي كانت قد استقالت من حكومة توني بلير احتجاجا على حرب العراق، اعتبر الصحفي البريطاني المتخصص في شؤون الخليج، بيل لو، أن الأمير محمد بن سلمان يمسك الآن بجميع الخيوط السياسية في السعودية، لكنه أشار إلى حاجة ولي العهد للتمويل، وذهب إلى حد ربط أزمة قطر بقضية البحث عن التمويل.

ورأى لو أن ابن سلمان "فشل في المحاور السياسية والديبلوماسية والعسكرية" حتى الآن، وتحدث عن مؤشرات عن "ضعف" ولي العهد السعودي، محذرا من هذا قد يقود لعدم الاستقرار. واعتبر أن الأمير لديه طموحات، لكنه "لا يدرك تعقيدات المنطقة"، وهو ما رأى فيه أمرا "خطيرا".

وقال إن مشاريع طموحة مثل مشروع المدينة الجديدة "نيوم"، تذكر بمشاريع سابقة لم تكتمل، مثل مشروع مدينة الملك عبد الله التي لم ينجز أكثر من 10 في المئة منها، في حين أن ابن سلمان بحاجة لإصلاحات داخلية وإنجازات لإرضاء المواطنين السعوديين.

وفي حين أن الهدف المعلن لحملة الاعتقالات الأخيرة في السعودية هو محاربة الفساد، تساءل الناشط المعارض، يحيى عسيري، عن سبب اعتقال مواطنين تحدثوا عن الفساد سابقا، ولماذا لا يتم الإفراج عنهم الآن.

وفيما أشار عسيري إلى قانون الإرهاب ومحاكمة الناشطين السياسيين بموجبه، أشار إلى أن سبعة قضاة في المحكمة الجزائية المتخصصة (الخاصة بالإرهاب) اعتاداوا على سجن النشطاء؛ هم من بين المعتقلين في الحملة الأخيرة بتهمة الفساد، متسائلا مرة أخرى: لماذا لا يتم الإفراج عمن حُكم عليهم من قبل هؤلاء القضاة المحسوبين على الأمير محمد بن نايف؟

ولفت إلى أن حملات الاعتقال في الفترة الأخيرة كانت على مرحلتين، ففي الأولى تم اعتقال من اتهموا بالتشدد، أي في محاولة للحديث عن "الإسلام المعتدل"، ثم في مرحلة أخرى تم اعتقال من اتهموا بالفساد؛ بحجة أن هؤلاء يعيقون التنمية.

 

"تحديات رؤية 2030 وسؤال الاقتصاد"

وجاءت الجلسة الثالثة بعيدة عن السياسة، حيث ركزت على الاقتصاد، وتحديات "رؤية 2030" للتحول الاقتصادي في المملكة، فيما رفض الصحفي الاقتصادي سايمون كونستيبل؛ الإجابة عن سؤال اعتبره "سياسيا"، مشددا على حاجة السعودية على إصلاحات قانونية وتعزيز حكم القانون والعدالة، وقواعد جديدة لمحاربة الفساد، والتخفيف من البيروقراطية لتحقيق الانتقال من الاقتصاد النفطي.

ولفت كونستيبل إلى أن حملة الاعتقالات الأخيرة في السعودية، بتهمة الفساد، لم تتعرض للاستثمارات الأجنبية، "وهذا أمر لافت"، موضحا أنه إذا طالت هذه الإجراءات شركات أجنبية بدون إجراءات قانونية، فستكون هناك مشكلة. وعاد للتأكيد على أن ما جرى "أقرب لقضية عائلية" في السعودية.

لكن أستاذ الاقتصاد، جيسون توفي، أكد أن المملكة بحاجة إلى "استراتيجية واضحة" لتحقيق الرؤية، إلى جانب تشجيع القطاع الخاص، وإصلاح النظام التعليمي.

وفي الآن ذاته، اعتبر توفي أن اعتماد رؤية بن سلمان على بيع حصة من شركة أرامكو النفطية العملاقة يعني أنه لم يتم الابتعاد عن الاقتصاد النفطي، لأنه عائدات الشركة وضرائبها ستبقى الجانب الأبرز من إيرادات المملكة.

ورأى توفي أن المدى الزمني للرؤية غير كاف لتحقيق أهدافها، لافتا إلى أن النمو الاقتصادي في المملكة ما يزال ضعيفا، هذا إلى جانب ظاهرة إفلاس شركات كبيرة، مثل "سعودي أوجيه".

وأشار إلى تحديات تواجه الرؤية، بينها الفساد، إلى جانب أزمات في المنطقة، مثل إيران واليمن وقطر ولبنان.

 

مع جاك سترو

وجاءت الجلسة الختامية لجاك سترو، حيث أدارها الصحفي البارز ديفيد هيرست. وفي محاولات لإبراز "التناقضات" في المجتمع السعودي، قال وزير الخارجية السابق، إن "السعودية تعاقب من يتناول الكحول.. لا بأس، لكن عندما زلت أحد الأمراء في قصره في الرياض وجدت على طاولته نبيذا أحمر".

وفي انتقاد للإنفاق الكبير على التسلح للسعودية، أشار سترو إلى أن المملكة التي تنفق نحو 10 في المئة من ناتجها المحلي على السلاح، كان عدد الكتب الثقافية التي نشرها كتاب سعوديون في السنة التي تولى فيها وزارة الخارجية 23 كتابا فقط، كما قال.

وقال إن "السعودية تنفق خمسة أضعاف إيران على الأسلحة، على الرغم من عدد سكانها هو خمس عدد سكان إيران".

لكن سترو، رغم ذلك، أكد أنه لن ؤؤيد تجميدا كاملا لصفقات الأسلحة مع السعودية، "ولكنني سأجري فحصا لكل حالة على حدة لمبيعات الأسلحة التي أجريناها مع المملكة".

وفي هذا الصدد، نفى سترو مسؤولية الحكومة البريطانية برئاسة بلير؛ عن وقف التحقيق في قضية الفساد الكبرى التي تخللت "صفقة اليمامة" بين شركة السلاح البريطانية "بي إيه إي" والسعودية. وقال إن مكتب التحقيق في جرائم الاحتيال الكبرى هو من أوقف التحقيق.

وطلب النائب العام حينها، اللورد غولدسميث، وفق التحقيق بحجة أن القضية قد تضر بالتعاون الأمني مع السعودية. كما هددت السعودية بعدم إتمام صفقة طائرات مقاتلة إذا استمر التحقيق؛ الذي بلغ مستويات متقدمة وكشف عن تورط أمراء بازرين تلقي رشاوى من الشركة البريطانية.

ورأى سترو أن السعودية "يمكن أن تمثل المملكة خطرا على المصالح البريطانية في اليمن ولبنان"، معتبرا أن قضية استقالة الحريري تعيد التذكير بأجواء الحرب في لبنان.

وأوضح أن سياسة السعودية كانت أكثر حذرا في السابق، ولم تكن لتقدم على سياسة مماثلة لما لما نشهده الآن في اليمن ولبنان أو قطر، وهي سياسة اعتبرها "مقلقة"، كما عبر عن "القلق" تجاه السياسة السعودية، ومعها الأمريكية والإسرائيلية، تجاه إيران.

وحول عدم قيام بريطانيا بتحركات بشأن أزمة قطر، لفت سترو إلى أن السياسة الخارجية البريطانية "أصابها الضعف"، وأن هذه الحالة تعززت مع انشغال بريطانيا بقضية الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وفي موضوع آخر، قال سترو: "لست سعيدا بمقاطعتنا لحماس، تحدثت بشكل غير رسمي وليس للنشر مع بعض الصحفيين في الرياض في وقت مبكر من عام 2006 وقلت يتوجب علينا أن نتحدث مع حماس".

وأضاف: "بعض الناس يقولون إنني فصلت من منصبي كوزير للخارجية بسبب تلك التصريحات"، في إشارة إلى سبب إقالته في عام 2006.

وأكد بريطانيا "يجب أن تفرق بين الجناح السياسي والجناح العسكري لحركة حماس"، لافتا إلى بلاده تفرق بين جناحي حزب الله اللبناني؛ السياسي والعسكري.