«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: لماذا تخاف السعودية من قضية «تدويل الحج»؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2269
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
أوشك موسم الحج على الانتهاء، وكل عام، يتدفق بضعة ملايين من المسلمين من جميع أنحاء العالم باتجاه اثنين من أقدس المساجد في «مكة المكرمة» و«المدينة المنورة»، لأداء واجبهم الديني، لكن الحج أكثر من مجرد فريضة دينية، فهو تعبير عن قوة السعودية ونفوذها.
ويمنح الإشراف على المساجد المقدسة في «مكة المكرمة» و«المدينة المنورة»، وبالتالي السيطرة على الحج، النظام الملكي في الرياض شرعية، لا تتوفر لبلد آخر، للمطالبة بزعامة العالم الإسلامي، خاصة بين العرب السنة، ويعد هذا مصدر استقرار البلاد في الداخل وأساس نفوذها الإقليمي، وكما هو الحال مع معظم مصادر القوة والنفوذ، لن تتنازل السعودية عنها بسهولة، حتى إن كانت موضع نزاع في الأعوام المقبلة.

مسؤولية مقدسة
بالنسبة لأي سلطة تسعى للسيطرة على الشرق الأوسط، يجب أن تسيطر أولا على منطقة الحجاز في الجزء الغربي من شبه الجزيرة العربية بطول ساحل البحر الأحمر، ومن هنا، تصبح التجارة ممكنة شمالا عبر «قناة السويس»، وجنوبا عبر مضيق «باب المندب».
وتعد «مكة» و«المدينة المنورة» جوهرتي تاج المنطقة، وقد تغيرت السيطرة عليها عدة مرات على مر القرون، وكانت آخر مرة عام 1927، عندما سقط الحجاز بيد مؤسس المملكة السعودية الحديثة ووالد الملك الحاكم «عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود»، وكان «عبد العزيز» يوسع أراضيه في المنطقة منذ عقود، لكنه كان يعلم أنه لكي يكون استثنائيا حقا، كان على مملكته السيطرة على الحجاز والمدن المقدسة.
وبعد 90 عاما، يدرك السعوديون أنهم ربما لا يستطيعون الحفاظ على السيطرة على «مكة» و«المدينة»، ويتلاشى حكمهم مقارن بتاريخ يعود لأكثر من 1400 سنة من الإسلام، ويذكرون كيف أن أجدادهم، في محاولة سابقة للسيطرة على شبه الجزيرة العربية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فقدوا السيطرة على المدينتين، وفي عام 1808، خلال عصر ما يسمى الدولة السعودية الأولى، قاموا بالاستيلاء على «مكة» و«المدينة المنورة» من الإمبراطورية العثمانية، لكنهم تمكنوا من الاحتفاظ بها لمدة 8 أعوام فقط قبل أن يستعيدها العثمانيون، من خلال نائبهم في مصر.
وربما كان نفس المصير ينتظر «عبد العزيز» إن لم يكتشف النفط في المملكة العربية السعودية عام 1938، وبعد ذلك، أصبحت المملكة بسرعة أكبر مصدر للنفط في العالم، ما ساهم في تعزيز أسس المملكة، لكن سيطرة المملكة على الحج لم تفلح في التصدي لمحاولات هز هذه السيطرة، خاصة في العقود الأخيرة.
وفي عام 1979، فرض سلفيون متشددون حصارا على المسجد الحرام في «مكة المكرمة» لعدة أيام، وكان الحادث صدمة للسعوديين ومحرجا للغاية لعدد من الأسباب، أولا، جاء المهاجمون، وهم عدة مئات من المسلحين، من المؤسسة الدينية السعودية نفسها، ورأوا أن السعوديين قد خانوا العقيدة السلفية للدولة، ثانيا، أثبتت قوات الأمن السعودية عجزها عن استعادة المسجد الحرام بمفردها، واستلزم الأمر مشاركة الكوماندوز الفرنسيين.
وبعد 8 أعوام، أثناء الحج عام 1987، نظم عدة آلاف من الحجاج الإيرانيين احتجاجا في المسجد الحرام في مكة المكرمة، وفتحت قوات الأمن السعودية النار على الاحتجاج فقتلت نحو 400 شخص معظمهم من الحجاج الإيرانيين، وقد تجنب السعوديون في الغالب ردود فعل خطيرة بسبب الانقسام الطائفي والأهداف التوسعية الإيرانية المعلنة في ذلك الوقت، والتي عارضتها معظم الدول الإسلامية، وقاطع الإيرانيون الحج لمدة 3 أعوام، لكن بحلول عام 1991، تم حل المسألة.

فقدان السيطرة
لم تكن الدولة السعودية لتصبح على ما هي عليه اليوم، القوة العربية المستقرة الوحيدة المتبقية في المنطقة، إذا لم تكن الوصي على المسجدين المقدسين، لكن البيئة الجيوسياسية للسعوديين تتغير بسرعة، وجاء حج هذا العام في وقت يتزايد فيه عدم الاستقرار في شبه الجزيرة العربية وحولها، ولأعوام، واجهت المملكة تحديات من قبل إيران في الشرق، وكذلك من قبل توسع الجهادية في الشمال في «العراق»، و«سوريا»، وفي الجنوب في «اليمن».
وقد أضاف النزاع مع «قطر» خلال الأشهر القليلة الماضية إلى قائمة المشاكل السعودية، وقد اتبعت إمارة قطر الصغيرة، مدعومة بمكانتها كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، سياسات مستقلة يعتبرها السعوديون وحليفتهم الإقليمية الرئيسية «الإمارات العربية المتحدة» تهديدا لمصالحهم.
وكان التحالف الذي يقوده السعوديون والإماراتيون قد قطع العلاقات الدبلوماسية مع القطريين فجأة في يونيو/حزيران، ويحاولون منذ ذلك الحين عزل «الدوحة»، في محاولة لإعادتها إلى حظيرة مجلس التعاون الخليجي، وقد خلق الحصار مشاكل للمواطنين القطريين الذين يسعون إلى أداء الحج.
وتصاعدت الأمور عندما ندد وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» في 30 يوليو/تموز بمطالبة قطر بـ«تدويل» إدارة «مكة» و«المدينة المنورة»، وبعد اجتماعه مع نظرائه من الإمارات والبحرين ومصر، قال «الجبير» للصحفيين: إن طلب قطر «عمل عدواني وإعلان حرب ضد المملكة»، غير أن قطر قد نفت ان تكون قد تقدمت بهذا الطلب.
وبغض النظر عن ذلك، يعد احتجاج «الرياض» في الواقع تعبيرا عن انعدام الأمن في المملكة، ولا توجد حاليا محاولات جادة لتدويل إدارة «مكة»، و«المدينة المنورة»، وعلى الرغم من أن غالبية العالم الإسلامي يعارض المنهج السعودي في تفسير الإسلام ومحاولات المملكة لإدارة الأماكن المقدسة وفقا للمنهج السلفي، فقد قبلت الدول الإسلامية تاريخيا المملكة مديرا للمدن المقدسة ومنظما للحج، وحتى هذا البيان القطري المزعوم، كانت إيران، العدو التاريخي للسعودية، هي الدولة الوحيدة التي تدعو رسميا إلى التدويل، وباعتبارها دولة إسلامية شيعية، لا تملك إيران وزنا كبيرا في غالبية العالم السني المسلم.
ومع ذلك، قد تكون هناك قضية مشتركة بين المسلمين من جميع أنحاء العالم الذين يشعرون بقوة بأنه يجب على السعوديين عدم استخدام «مكة»، و«المدينة» كساحة نفوذ سياسي، ويشتكي الكثيرون من الذين أدوا الحج من الطريقة التي يتعامل بها السعوديون مع هذا الحدث وسوء معاملة الحجاج، وفي العديد من المناسبات، تعرضت فيها حياة الحجاج للخطر، تم اتهام السعوديين بسوء إدارة الحج على الرغم من مواردهم المالية الضخمة.
والآن بعد أن أصبح السعوديون في أزمة مالية بسبب انخفاض أسعار النفط، أصبحت إدارة الحج والحفاظ على المدينتين أكثر أهمية، ويؤدي انخفاض أسعار النفط إلى إضعاف قدرة المملكة على الحفاظ على الاستقرار، في وقت يتزايد فيه انعدام الأمن الإقليمي، ولهذا آثاره الواضحة والخطيرة على الملايين من الحجاج القادمين إلى المملكة من جميع أنحاء العالم خلال هذه الأيام.
وفي حال واجهت السلطات السعودية صعوبة في التعامل مع الاضطرابات والعنف الداخلي، فإن دور المملكة كحامٍ وحارس للمسجدين المقدسين سيُطرح حوله سؤال جدي، وهذا هو الأمر الأشد خطورة على السعوديين، وهذا هو السبب في إطلاق «محمد بن سلمان» (ولي العهد الجديد) مبادرة التحالف العسكري الإسلامي، في أكتوبر/تشرين الأول، ويتألف من عدد من القوات من مختلف الدول الإسلامية التي هدفها الأساسي هو ضمان أمن الأماكن المقدسة، وبالتالي، المملكة.
وبعبارة أخرى، كان السعوديون يتوقعون قبل عامين مشاكل قد لا يستطيعون التعامل معها بمفردهم، وبالتالي، ليس من المستحيل أن تتمركز في المستقبل قوات عسكرية من دول إسلامية رئيسية أخرى، مثل باكستان أو مصر أو تركيا، في المنطقة، على الأقل لضمان عدم تعطل الحج، وفي هذا الاعتماد على الدول الإسلامية الأخرى، يأتي تهديد غير مقصود للوصاية السعودية على المسجدين المقدسين، لكن قد لا يكون هناك شيء يمكن أن تفعله «الرياض» حيال ذلك.
المصدر | كارمان بخاري - جيوبوليتيكال فيوتشرز