القَلق هو عُنوان المَرحلة في الأردن.. وهل الاتصالات السعوديّة الإسرائيليّة المُباشرة في أزمة القُدس أبرز أسبابه؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 416
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ولماذا يَغضب العاهل الأردني على النّخبة السياسيّة الأردنيّة؟ وهل هذا الغَضب في مَحَلّه؟
“القَلق” هو العُنوان الرئيسي الذي يَسود الأردن، ونُخبته السياسيّة وشَعبه، وأهل الحُكم فيه، في الفترة الحاليّة، وكلٌّ لأسبابه، قلق من التدهور المُتسارع في العلاقة مع الجار الإسرائيلي المُتغطرس، وقلقٌ من غِياب المُساعدات الماليّة، أو بالأحرى، انعدامها من الجار العربي السعودي الخليجي في الجانب الشرقي من الحُدود، وعَدم وضوح الرؤيّة في الشمال السوري، في ظِل وجود جماعات إرهابيّة مُسلّحة، وأخيرًا حالة الغلاء المُستفحلة جنبًا إلى جنب مع استفحال الفساد.
إذا كان غِياب المُساعدات الماليّة أمر اقتصادي يُمكن التعايش معه ولو إلى حين، فإنّ الخَطر الإسرائيلي المُتفاقم، الذي ظَهر في أبشع صوره، في التّعالي على الأردن، والتعامل معه بازدراء شديد أثناء أزمة قتل حارس السفارة الإسرائيلي مُواطِنين أردنيين اثنين بدمٍ بارد، و”تهريبه”، ومَعه جميع دبلوماسيي السّفارة ومُوظّفيها، تحت “جُنح النّهار”، واستقباله كبَطلٍ من قبل بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، من الصّعب تجاهله وعدم الرّد عليه حتى لا يتمادى على الأقل.
العاهل الأردني الذي قَطع إجازته الصيفيّة وعاد إلى الأردن لإدارة الأزمة، وتطويق آثارها، وجد نفسه “شِبه وحيد”، حيث لم تَقم حُكومته بالدّور المَطلوب منها في التّعاطي بشكلٍ سريعٍ وحاسمٍ مع التجاوز الإسرائيلي المُهين، وامتصاص الغضبة الشعبيّة بالتّالي، بينما انكمشت النّخبة السياسيّة التي كان يُراهن عليها للتّضامن بفاعليّةٍ مع الدّولة، وبما يُؤدّي إلى ظُهور الأردن في مَوقفٍ مُوحّد في مُواجهة الأزمة.
لا نَعرف طبيعة الأسباب والدّوافع التي جَعلت العاهل الأردني يطير فجأةً إلى مدينة جدّة، شرق المملكة العربية السعودية يوم أمس (الثلاثاء) للقاء نائب العاهل السعودي الأمير محمد بن سلمان، ولكن الأمر المُؤكّد أن هذه الزيارة تتعلّق بالأزمة الأردنية في القُدس المُحتلّة، والاستفزازات الإسرائيليّة التي تمثّلت في وضع حواجز إلكترونيّة، والانتفاضة البطوليّة التي اندلعت للحِفاظ على الهويّة العربيّة الإسلاميّة للمدينة، وتحدّي الإجراءات الإسرائيليّة الاستفزازيّة.
العارفون ببواطن الأمور في الأردن يقولون أن هناك حالة استياء في أوساط “أهل الحُكم” من تجاهل الدول الخليجيّة للدور الأردني في هبّة الأقصى، وتركيزهم على الدّور السعودي وامتداحه، باعتباره الفاعل الرئيسي في تطويق الأزمة في القُدس المُحتلّة، ونُكران متعمّد لأي دورٍ أردني، ولكن مصادرنا تُؤكّد أن العامل الآخر الذي يُقلق الأردن، ولا يقل أهميّة عن الأول، هو الاتصالات السعوديّة المُباشرة مع بنيامين نتنياهو في مواضيع عديدة إلى جانب موضوع المسجد الأقصى، في تجاوزٍ واضحٍ، وربّما مُتعمّدٍ للبوابة الأردنيّة.
صحيح أن الإعلام الخليجي، ركّز على كون هذه الاتصالات السعودية الإسرائيلية تمّت عبر الحليف الأمريكي المُشترك، لكن هناك رواية أخرى تُؤكّد أن اتصالات مُباشرة حدثت، وأن هناك خط اتصال سعودي خليجي مفتوح مع القيادة الإسرائيليّة، كشفت عنه الصحف الإسرائيليّة في العديد من تقاريرها.
العَتب الأردني على “الأشقاء” الخليجيين يتصاعد، ويتحوّل إلى استياء، فإذا كانت هذه الدول الغنيّة أوقفت دعمها المالي لإنقاذ الأردن من أزمته الاقتصاديّة الخانقة، وتخفيف العجز في مُوازنته العامّة، فكان الأحرى بها أن لا تتركه وحده يُواجه الغطرسة الإسرائيليّة، وتتجاوزه بفتح قناة اتصال مع الإسرائيليين من وراء ظهره، حسب ما قال لنا رئيس وزراء أردني أسبق.
وما دُمنا نتحدّث عن العَتب، فإننا نرى أن عَتب العاهل الأردني على النخبة السياسية الأردنيّة، أو غضبه بالأحرى الذي أخرجه إلى العلن، ينطوي على الكثير من الوجاهة، ولكن اللاّفت أن هؤلاء، أو نسبة كبيرة منهم، تعرّضوا لعملية “تهميش” من الدولة في الأعوام القليلة الماضية، ولم تستعن هذه الدولة، وأصحاب القرار فيها بأرائهم في أزمات عديدة سابقة، ولا نُريد أن نتوسّع أكثر من هذه النقطة.
أزمة السفارة الإسرائيليّة، والإدارة غير المُوفّقة لها، تُحتّم إجراء مُراجعة شاملة للكثير من السياسات والمواقف الأردنية داخليًّا وخارجيًّا، والعُنوان الأبرز فيها، أي المُراجعات، التّعاطي مع الإسرائيليين بطريقةٍ أكثر حزمًا، وتكريس هيبة الأردن ودوره في الصّراع، ومُصارحة دول الخليج، والسعودية خاصّةً، بأنّها لم تتعامل مع الأردن بالطّريقة اللائقة والمُتوقّعة، رغم وقوفه في خندقها دائمًا، أمّا داخليًّا، فإن توسيع دائرة المُشاركة في القرار تظل مسألة حتميّة، وإشراك النخبة في المسؤوليّة، إلى جانب الكفاءات الرائعة التي تزدحم بها البلاد، حيث أن أكثر من 60 بالمئة من المُواطنين تحت سن الثلاثين، ويَحملون درجات علميّة عالية.
أخيرًا، الأردن بحاجةٍ إلى حُكومة قويّة ترتقي إلى مستوى التحدّيات الداخليّة والإقليميّة التي يُواجهها حاليًّا، وربّما تزداد خُطورة في المَرحلة المُقبلة، حكومة تقوم على الكفاءات، وتمنح سُلطات تنفيذيّة واسعة، وتَضم الكفاءات وأصحاب الرأي.
“رأي اليوم”