ترامب في قصور آل سعود: جابي أموال.. وراعي “تطلعات الشعوب” وبما “يتماشى مع الشريعة الإسلامية”

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2479
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

البحرين اليوم – متابعات

“طار الكثير من الكلام الذي قاله ترامب قبل أن يحلّ على كرسي البيت الأبيض. ولكن حتّى حين”. هكذا يعلق أحد المراقبين وهو يُسْأل عن التصريحات “النارية” التي صدرت عن ترامب قبيل استلامه منصب “رئيس الدولة الأقوى في العالم”، وخصوصا بشأن السعودية والفواتير التي يجب أن تدفعها لواشنطن. فبعد ساعات من زيارة ترامب للسعودية، أعلنت الخارجية الأمريكية أن الأخير أنهى “أكبر صفقة أسلحة مفردة في تاريخ الولايات المتحدة” وبإجمالي أكثر من ١٠٩ مليار دولار، مع استثمار تجاري بمبلغ ٢٥٠ مليار دولار لتوفير آلاف الوظائف في أمريكا، وجاء ذلك ترسيخا للاتفاق الأمني الذي وقعه ترامب والملك سلمان اليوم، وهو الاتفاق الذي ستكون بنوده التفصيلية “سرية” لكونها تنطوي على الخطط الأمريكية التي ستعتمدها “لدعم الأمن على مدى طويل في السعودية وفي منطقة الخليج”، كما قال وزير الخارجية الأمريكي تيرسلون في مؤتمره الصحافي اليوم السبت، ٢٠ مايو ٢٠١٧م، مع نظيره السعودي الجبير.

ولأن المشهد يبدو “واقعيا” أكثر من المعقو؛ فإنه من المناسب الإشارة إلى أن السفيرة الأمريكية نيكي هايلي التقت أول أمس المفوضَ السامي لحقوق الإنسان، زيد بن رعد، وتناول اللقاء “حالات تدهور حقوق الإنسان في عدد من الدول”. وذكرت المصادر الأمريكية الرسمية بأن الاثنين اتفقا على “العلاقة الأكيدة بين حقوق الإنسان وبعض صراعات العالم المدمرة، ودور مجلس الأمن في رفع الاهتمام بحقوق الإنسان لتحقيق السلام”. لكن كلّ شيء يذهب هباءا منثورا حينما يتعلق بالسعودية، وبصفقات السلاح مع أنظمة القمع في الخليج.

هناك منْ يدعو للعودة مجددا إلى تلك الفترة “الساخرة” التي ظهر فيها ترامب وهو يوزّع “الأوصاف” تجاه البلد الذي تنبع منه “الأيديولوجية الأم الراعية للتعصب الديني والتكفير في العالم”. فالرجل يعرف جيداً كيف “يحسب” الكلام ويجعله بقيمة “الدهب”، كما أنه يعرف الوقت المناسب الذي يجعل من “الصمت” مصدرا يدرُّ بالدهب أيضا. وهذا ما يعرفه أكثر الناسُ شبهاً بترامب، آل سعود، والجيلُ الجديد خصوصاً الذي يُسيّر أمور “المملكة” على طريقة محمد بن سلمان. وهكذا، فإن الأمر بين الجانبين، في نهاية المطاف، كان مجرد محاولات حثيثة، مع بعض التمنّع، من أجل التقارب بين “عاشقين” وقعَ بينهما “سوء تفاهم مؤقت”، أو خلاف على مواعيد الغرام، أو لم تُتَح الفرص الكافية لكي “يتعاشرا” على نحو مناسب. وإلى أن جاءت اللحظة المناسبة لذلك.

كتب نبيل رجب على صدر صفحة (نيويورك تايمز) “مقالاً ممتازا”، كما قال جوليان أسانج. ولكن رجب يعرف، في العُمق، وأكثر من غيره؛ أن ترامب وجد في خاتمة المطاف شريكَه الحقيقي في منطقة الخليج، ووجد في المشيخيات المترفة الجسرَ الذي يعبر به ومنه إلى إسرائيل. إنه الشريكُ الذي يُشبه ترامب كثيراً – من غير أن يُخفي هذا الشبه الشعرُ الأشقر الذي يبدو مصطنعاً ونما في غير مكانه! لذلك، فإن موضوع “التواطوء” الأمريكي مع السعودية في انتهاكاتها التي يعلو صوتها في السجون وفي العوامية وفي اليمن والبحرين وو.. – وهو التواطوء الذي قالته منظمة (أمريكيون من أجل الديمقراطية) صراحةً في بيان عشية الزيارة – ليس فيه الكثير من المبالغة. وبالطبع فإنه لا يُعد تجنّياً على الإدارة التي حلّ رئيسها في البلد الأكثر دكتاتوريّة، وعلى بساط أحمر غارق في مئات دولارات صفقات التسلح.

بين هذا التشابه، فإن محللين يتحدثون عن تشابهات أخرى بين آل سعود ودونالد ترامب. يقول الصحاف محمود رفعت بأن فهْم اختيار ترامب السعودية وجهةً أولى لزياراته الخارجية؛ يتطلب الوقوف على وضعه الداخلي في أمريكا من جهة، ووضعه الخارجي من جهة أخرى، وخاصة بالنسبة لكندا والمكسيك. فهناك أكثر من “ورطة” يواجهها ترامب داخلياً، كما أنه يُواجه حصاراً من المؤسسات الأمريكية الرئيسية، بما في ذلك حزبه “الجمهوري” الذي يسيطر على الكونغرس. في المقابل، ليس سرّا وضْع ترامب غير المريح مع كندا بعد الانتقادات التي وجهها رئيس الوزراء الكندي إليه، كما أن الرئيس المكسيكي ألغى زيارة له إلى واشنطن بسبب التوتر الذي طفح على السطح في أول أيام مجيء ترامب للرئاسة، وخاصة في مسألة الحدود والهجرة.

مع هذا الفشل الداخلي الذي يحاصر ترامب، يقول رفعت، فإنه يسعى لأن يرتدي “ثوب جالب المليارات لأمريكا”، وهو لم يجد “قبولا بأي مكان بالعالم سوى الرياض”، وهكذا بات الرجلُ الذي زعم بأنه جاء ليكون رئيسا “قوميا” مدافعاً عن الشعب الأمريكي؛ “أضحوكةً” وهو يقع في سلسلة من التهريجات التي جعلته “مهرجاً” تصدّ عنه المؤسسات الأمريكية، ولا تجد الصحافة الأمريكية حتى الآن ما يجعله على ودّ معه. مثل هذه الحال، هو ما يعانيه آل سعود، فهم غرقى في المشاكل الداخلية، وملأى بتناقضات حلفهم التاريخي مع الوهابية من جهة، وبالجشع المترهل من الفساد والعمالة للخارج من جهة أخرى. كما أنهم لا يجدون حتى الآن مخرجا مضيئا للمآزق المتزايدة التي يتساقطون فيها في الخارج، وهم كلما أشعلوا نيران “الصراع المذهبي” على أمل أن يروا نورا يضيء لهم طريقَ الانتصار؛ وجدوا أنفسهم في ظلام أكثر سوادا، كما هي حلكة التعصب والطائفية في كل الأحوال.

وغير بعيد عن آل سعود، وبحسب معلومات محمود رفعت؛ فإن دولة الإمارات دفعت “مبالغ ضخمة” للإتيان بترامب إلى الرئاسة، وهو ما يفسر الزيارة التي قام بها الاثنين الماضي محمد بن زايد إلى واشنطن ولقاءه ترامب، وما أعقب ذلك من إعلان صفقات تسلح أمريكية إلى أبوظبي، والذي تخلله تصريح لترامب قال فيه بأنه يسعى لإنهاء “داعش وإيران”. كما أنه من المفيد إضافة “قصة” آل خليفة مع الفندق التابع لترامب، والذي لم يجد ترويجا مناسبا له منذ افتتاحه، وأحجم النزلاء عن اختياره رغم كونه لا يبعد غير خطوات عن البيت الأبيض. إلا أن آل خليفة وجدوا الفندق المكانَ المناسب لإقامة احتفالهم بعيدهم الوطني العام الماضي، ليس فقط لأن الفندق كان يشهد قبل الاحتفال حلفة للحانوكا اليهودية، ولكن أيضا لأن هناك “خيطا سريا” يجمع بين ترامب وجوقة الديكتاتوريين الحاكمين في الخليج، وهو خيط مصنوع من فتيل الأسلحة التي يحك الأمريكيون أيديهم فرحا وهم يجدون سوقها في نمو غير مسبوق مع مشيخيات الخليج.

عشراتُ الصفقات التي وقعها ترامب اليوم مع آل سعود، وبعضها تخص شركات الصناعة العسكرية داخل السعودية. كما وقّع ترامب مع الملك سلمان ما سُميت بـ”الرؤية الإستراتيجية” بين البلدين. هي أجواءٌ دفعت مراقبين للقول بأن ترامب نجح بالفعل في أن يكون “جابياً” للأموال من الضرع النفطي الأكبر في المنطقة، ولكن ليس بالطريقة التي كان يتوقعها الكثيرون. لقد فعل ذلك بأسلوب يجيده التاجر “الشاطر”، الذي يُقنع الزبون بالسلعة، ولو كانت باروداً يُطلق ناراً مزدوجاً. لقد دفع آل سعود وحكام الخليج مئات المليارات لترامب، وكأنهم يريدون أن يقولوا بأنه “لا مانع لدينا أن ندفع ما تريده، ولكن بشرط أن يأتي ترامب بنفسه إلى هنا، ويحتفل معنا، ويغرس فينا أكثر أسلحة القتل والقمع وإهانة الشعوب”. لكن، بالطبع، لابد من إضفاء الشرعية على كلّ ذلك. فهذه أنظمة فاسدة، ومستبدة، ولكنها حريصة “على شرع الله”!

في هذا السياق، تولت “هيئة كبار العلماء” في السعودية توفير “الغطاء الشرعي” المطلوب، وبمخارج تُشبه قصة دخول قوات فرنسية وأمريكية إلى الحرم المكي في العام ١٩٧٩ للقضاء على جماعة جيمهان العتيبي، حيث دخلت تلك القوات “الإسلام مؤقتا” ليصح دخولها البقعة المقدسة التي لا يدخلها مشركون أو كفار”! الهيئة التي تمثل الجناح الديني لنظام الحكم السعودي؛ أصدرت بيانا من المؤكد أنه سيكون “نموذجا” سيعكف على دراسته الباحثون والمختصون في تاريخ الهيئة وطريقتها “اللزجة” في تسويق مع القرارات الرسمية. فقد اعتبر البيان “القمة الأمريكية الإسلاميّة” في الرياض بأنها “تحقق تطلعات الشعوب في الأمن والسلام”، كما أكد بأنها “تتماشى مع الشريعة الإسلامية وجميع الشرائع السماوية”، فضلا عن ذهاب البيان إلى الزعم بأن القمة “تحقق العمل المنظم والتكاتف الديني والسياسي والأمني” و”المساهمة في مكافحة الإرهاب”.

بعد ٧٠ عاما وأكثر من القمم والعلاقات، أصبح ترامب جديرا بوسام الملك عبد العزيز آل سعود الذي قلده إياه سلمان اليوم. ولم يجد “كبار علماء” السعودية غيره ليغدقوا عليه التسابيح والتبريكات التي تتوِّجه لأن يكون “الخطيب” المناسب لإلقاء محاضرته يوم غد الأحد، وأمام قادة بلاد العرب والمسلمين، ليعلمهم دروسا حول الإسلام المعتدل، وطرق حماية الدين من الغلو والتعصب والإرهاب! لا يفعلها غير رئيس مثل ترامب، ولا يحصل ذلك إلا في بلاد يستأثر بها أمثال آل سعود.