تحذيرات من إعادة سطوة الشركات الأجنبية على ثروة النفط الخليجي ..

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2175
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

مخاطر اكتتاب أرامكو: طموح «بن سلمان» قد يعيد نفط الخليج إلى عصر ما قبل التأميم
خالد المطيري
منذ إعلان ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، في يناير/كانون الثاني 2016، عن خطط لخصخصة حصة 5% من شركة «أرامكو السعودية»، عملاق النفط العالمي، والجدل لم يتوقف بشأن مدى رجاحة تلك الخطوة، وهل تصب في صالح المملكة من عدمه.
ورغم سيل الإشادات بالخطوة، والتي تأتي في الغالب من مسؤولين سعوديين لا يملكون دون شك رأيا مخالفاً، إلا أن الأمر لا يخلو من انتقادات عديدة وصلت إلى حد اعتبار الخطوة «خيانة» و«تفريطا» في مقدرات الوطن، وعملية تمنح الشركات الأجنبية الفرصة لاستعادة السيطرة على النفط السعودي بعد كفاح لتحرير تلك الصناعة من سطوة المستثمر الأجنبي، تكلل بالنجاح مطلع ثمانينات القرن الماضي.

كفاح من أجل التأميم
ولفهم الصورة جيداً، يتطلب الأمر العودة إلى تاريخ اكتشاف النفط في السعودية، في ثلاثينات القرن الماضي، وكيف حرمت خطوة الاستعانة بشركات أجنبية للتنقيب عن هذا الخام - وهي خطوة ربما كانت ضرورية آنذاك - المملكة من الاستفادة الكاملة من الذهب الأسود، الذي مثل اكتشافه نقلة في حياة المواطن السعودي.
ففي عام 1933، أبرمت السعودية اتفاقية امتياز للتنقيب عن النفط مع شركة «سوكال» الأمريكية، التي قامت بتأسيس شركة لها في السعودية باسم «كاسوك» لتنفيذ ما جاء في الاتفاقية، ومُنحت الشركة حق امتياز 60 عامًا للتنقيب وإنتاج وإدارة وتسويق النفط والغاز الطبيعي والمعادن على مساحة 360 ألف ميل مربع في المملكة؛ أي ما يعادل تقريباً نصف مساحتها.
وفي العام 1939، تم تمديد حق الامتياز لمدة غير محددة، وتوسيع مساحة الامتياز لتشمل تقريبًا معظم الأقاليم البرية والبحرية الخاضعة للسيادة السعودية باستثناء أجزاء محيطة بمكة والمدينة.
وتم اكتشاف النفط بكميات كبيرة في نهاية الثلاثينات وانضم إلى «سوكال» - المعروفة حاليًا باسم «شيفرون» - ثلاث شركات أمريكية أخرى فيما بعد هي: «تكساكو» و«إكسون» و«موبيل».
وفي عام 1948، جرى تغيير اسم «كاسوك» العاملة في الأراضي السعودية إلى «شركة الزيت العربية الأمريكية» وهي الأحرف الأولى للكلمة اللاتينية (ARAMCO) أو «أرامكو» بالعربية.
وحسب اتفاق الامتياز الموقع بين البلدين، كانت المملكة تحصل على أجور سنوية و15% من الأرباح وصلت تدريجيًا إلى 50% في بداية السبعينات.
وفي العام 1972 بدأت المملكة بتأميم الشركة على إثر ضغوط عمليات التأميم التي حدثت في عدد من الدول العربية آنذاك، وبعد مفاوضات طويلة دامت قرابة أربع سنوات تم توقيع اتفاقية في عام 1976 تعطي السعودية ملكية كاملة على الشركة خلال الأربع سنوات اللاحقة.
وفي العام 1980 أعلنت المملكة بالفعل أنها استكملت شراء أصول شركة أرامكو بنسبة 100%، وأصبحت الشركة منذ ذلك الوقت تسمى «الشركة الوطنية للبترول في المملكة العربية السعودية أرامكو».
وصدر أمر ملكي في عام 1988 أُعلن فيه الاسم الجديد للشركة وهو «أرامكو السعودية».
وكان لعدة شخصيات سعودية دور في اتمام خطوة تأميم شركة «أرامكو السعودية»، وفي مقدمهم «عبد الله بن حمود الطريقي»، أول وزير بترول سعودي.
استعراض ذلك التاريخ يفسر لماذا ينظر البعض إلى خطوة خصخصة «أرامكو السعودية» - جوهرة تاج المملكة - على أنها خطوة إلى الوراء وتفريطاً في كفاح رجال أمثال «الطريقي»، وغيرهم، في جعل كل خيرات مورد النفط في البلاد تصب بالكامل في خزينة البلاد عوضاً عن 15% في بداية اكتشاف الخام ثم 50% في سبعينات القرن الماضي.
ويتساءل هؤلاء: الآن وبعد 37 سنة من تملك «أرامكو السعودية»، لماذا تريد السعودية بيعها مجدداً؟

تشكيك في رجاحة الفكرة
التخوفات من خطوة خصخصة «أرامكو السعودية» لا تقتصر فقط على المشاعر الوطنية فقط، وإنما تمتد أيضاً إلى التشكيك في مدى رجاحة الفكرة في حد ذاتها.
فوفق هؤلاء، وُضعت سياسات خصخصة «أرامكو السعودية» على أساس أهواء أمير شاب (31 عاماً) ليس لديه خبرة اقتصادية كافية، وفيلق من المستشارين الغربيين ومضاربي الاستثمار؛ حيث كانت «رؤية السعودية 2030» - التي كان بندها الرئيسي خصخصة جزء من أسهم أرامكو السعودية - بناءً على دراسة مقدمة من شركة «ماكينزي» الأمريكية للاستشارات.
وبطبيعة الحال، يتبادر إلى الذهن تساؤل مشروع هنا حول ما إذا كانت «ماكينزي» قدمت استشارتها بنية حسنة من عدمه؟!
أيضاً تتصاعد التخوفات من أن مساعي الأمير الشاب نحو عرش المملكة خلفاً لوالدة الملك «سلمان بن عبد العزيز» (81 عاماً) قد تدفعه إلى مزيد من التنازل للقوى الكبرى في العالم، وخاصة للحليف الأمريكي الذي لا يخفي رئيسه الجديد (دونالد ترامب) علناً طمعه في ثروات الخليج، عن المزيد من خصص «أرامكو السعودية». وهناك تقارير تحدثت عن رغبة «بن سلمان» في رفع نسبة الخصخصة في «أرامكو السعودية» إلى 49% خلال 10 سنوات.
فليس بعيدا عن شاب لاهث بقوة وراء العرش تقديم أي شيء مقابل الحصول على الدعم الدولي – وخاصة من أمريكا أكبر قوة في العالم – لخطوة خلافة والده على العرش.
ولا أدل على ذلك، من توجه السعودية - التي يديرها اقتصادياً «بن سلمان» - نحو شراء المزيد من السندات الأمريكية خلال الأشهر الأخير رغم التهديدات التي تواجه استثمارات المملكة في الولايات المتحدة بسبب قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، المعروف باسم «جاستا»، الذي تم إقراره في سبتمبر/أيلول 2016، ويتيح لذوي ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 طلب تعويضات من السعودية على خلفية تورط عدد من مواطنيها في تلك الهجمات. (طالع: هكذا يشتري «بن سلمان» النفوذ في واشنطن لتأمين صعوده إلى الحكم)

التجارب المحلية الدولية
التجارب المحلية الدولية السابقة تعزز، كذلك، التخوفات من خطوة خصخصة «أرامكو السعودية».
والنموذج العراقي خير مثال؛ فقد كان العراق في مقدمة الدول التي أممت نفطها في القرن الماضي، قبل أن يفتح الباب على مصراعيه أمام الشركات الأمريكية والبريطانية بعد حرب الخليج الثانية التي أطاحت بنظام «صدام حسين»، وها هو الآن يعاني مالياً بشدة، ويتسول الدعم المالي من دول العالم.
أيضاً، يقول البعض إن الزمن الحالي ليس زمن الخصخصة؛ فحتى الدول الأوروبية تراجعت عن شركات وبنوك كانت قد خصخصتها وأعادت تملكها، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية عام 2008.
ومحلياً، لا يخفى اقتصاديون سعوديون قلقا بشأن نجاح هذه الخطوة؛ إذ يرون أن المملكة تفتقر لتجربة خصخصة ناجحة يمكن اتخاذها نموذجا يحتذى به، ويخشون تكرار تجربة خصخصة قطاع الكهرباء التي مرّ عليها 12 عاما، وما زالت تعاني الفشل.
ويزداد قلق الاقتصاديين بشكل خاص حول «أرامكو السعودية» نظرا لضخامتها وتعدد نشاطاتها؛ فهي بشكل عام تشرف على عشرات من الأنشطة العملاقة مثل الاستكشاف والتنقيب عن النفط وإنتاجه.

ظروف غير مواتية للخصخصة
الظروف السياسية العالمية وأحوال سوق الخام في الوقت الراهن، حسب مراقبين، قد لا تبدو كذلك ملائمة للمضي قدماً في خطوة خصخصة «أرامكو السعودية».
فسوق الخام يعاني تراجعا كبيرا في أسعاره؛ حيث تجاوز سعر برميل النفط في صيف العام 2014 حاجز الـ120 دولاراً، بينما تراجع في الوقت الراهن إلى سعر يدور حول 50 دولاراً للبرميل، وهذا يعني أن تقدير قيمة الشركة إذا بيعت حاليا فإنه سيكون أقل بنحو 60% عن سعرها إذا كان البيع قد تم في صيف العام 2014.
ورغم أنه من المفترض أن يتم تقديم العروض على اكتتاب «أرامكو السعودية» في عام 2018، لكن الظروف لا تبشر بتعافي أسعار النفط بحلول هذه التاريخ؛ فاتفاق خفض الانتاج معرض للانهيار.

وهناك منافسون إقليميون (مثل إيران) يريدون إيقاع أكبر خسارة بالمملكة؛ فربما يزيد هؤلاء إنتاج الخام في التوقيت المقترح لبدء الاكتتاب، بهدف تعميق خسائرها.
قانون «جاستا» يمثل، أيضاً، عامل مخاطرة بالنسبة للمستثمرين الراغبين في شراء أسهم في «أرامكو السعودية»، التي تتوزع أنشطتها في أماكن مختلفة من العالم وبينها الولايات المتحدة، صاحبة الأذرع الطويلة، ومن ثم فهو يساهم في تخفيض قيمة الشركة.

قيمة «أرامكو».. مقامرة غير مضمونة
إضافة إلى ما سبق، فإن التفاوت الكبير في قيمة أرامكو، حسب تقديرات الشركات الاستشارية الأجنبية وتقديرات المسؤولين السعودية؛ يجعل الأمر يشبه المقامرة غير المضمونة بالعمود الرئيسي – حتى الآن – لاقتصاد المملكة؛ حيث مولت أرامكو السعودية» نحو 77% من ميزانية الحكومة السعودية في العام 2015.
هذا التفاوت الذي يعود في جزء كبيرة منه لوضع الشركة التي ظلت بياناتها المالية بعيدة عن الشفافية لعقود طويلة.
فقبل قبل قرار خفض ضرائب التي تدفعها «أرامكو السعودية» للدولة من أرباحها من 85% إلى 50% في 27 مارس/آذار الماضي، كانت أكبر التقديرات تشير إلى أن قيمة الشركة تبلغ 400 مليار دولار، رغم أن «بن سلمان» يقدر قيمة الشركة بأكثر من تريلوني دولار.
لكن بعد قرار خفض الضرائب، رفعت شركات الاستشارات العالمية تقديراتها للشركة إلى ما يتراوح بين تريليون و1.5 تريليون دولار.
ورغم ذلك، يظل هذا الرقم بحده الأقصى أقل بكثير من تقديرات الأمير السعودي.
كما أن خفض الضرائب في حد ذاتها، وإن كانت خطوة يتوقع أن تساهم في زيارة إقبال المستثمرين على شراء أسهم الشركة ورفع قيمتها، إلا أنها على المدى الطويل ستقلل من العوائد المالية التي ستحصل عليها الدولة من «أرامكو السعودية».
وقد لا تستطيع المملكة مستقبلاً العودة في قرار خفض الضرائب؛ فرأس المال لا يلعب، وبالتأكيد ستكون هناك شروط للتأكيد على عدم العودة في مثل هذا القرار.
إذا أنت تخاطر بعائد مجزي مستمر مقابل الحصول على مبلغ كبير من المال، لكن لمرة واحدة من بيع حصة في «أرامكو السعودية».

خسارة «أوبك».. القوة الناعمة للسعودية
وبخلاف التأثيرات الأخرى لقرار الخصخصة والذي قد يوثر على الوظائف في شركة تشغل مئات الآلاف من المواطنين، يصف محللون هذا القرار بأنه المسمار الأخير في نعش منظمة «أوبك»، أحد أهم عناصر القوى الناعمة للمملكة.
فالسعودية صاحبة الكلمة العليا في تلك المنظمة العالمية ربما لن تتمكن - بعد إتمام خطوة الخصخصة - من السيادة الكاملة على سياساتها النفطية دون الرجوع للمستثمرين الأجانب – الشركاء المستقبليين في «أرامكو السعودية» - وهؤلاء لن يكون موقفهم بالتأكيد مثل موقف المملكة الذي يكون دافعه في كثير من الأحيان سياسيا وليس اقتصاديا.
خطط «بن سلمان» لخصخصة «أرامكو السعودية»، حسب مراقبين، قد تجلب الوبال ليس على المملكة فقط، بل أيضاً على الأشقاء الخليجيين؛ إذ قد تزيد شهية الحليف الأمريكي نحو النفط الخليجي؛ خاصة أن «ترامب» لا يخفي طمعه في ذهب الخليج الأسود؛ حيث تحدث علنا عن ذلك طيلة حملته الانتخابية، فهو لا يفهم سوى لغة المال والمساومات.
فالراجل الجالس في البيت الأبيض قد يمارس ضغوطاً على دول خليجية أخرى لدفعها نحو خطوات خصخصة في قطاعها النفطي، ومنح الشركات الأمريكية الحصة الأكبر من ذلك؛ ليتقاسم معها أهم مواردها الذي ظل لسنوات أحد أهم عناصر أمانها، وطوق النجاة في عالم تتقاذفه أمواج الأزمات الاقتصادية.
المصدر | الخليج الجديد