«واشنطن بوست»: ملك السعودية واللعبة الكبرى في آسيا

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2096
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

لفتت رحلة الملك «سلمان بن عبد العزيز» ملك السّعودية إلى آسيا لمدّة شهرٍ الأنظار بسبب حجمها. الملك الأقوى في العالم يخرج في جولة تشمل 7 دول مع طاقم من المرافقين يتخطّى 1000 شخص، من بينهم 25 أميرًا و10 وزراء. وقدّرت حمولة الأمتعة الإجمالية للرحلة بـ 506 أطنان.

وقرّر «سلمان» هذا الأسبوع مدّ إقامته في المنتجع الفاخر في جزيرة بالي الإندونيسية الخلّابة، والذي يبدو قرارًا سهلًا، قبل التوقّف في اليابان والصّين. وبدأ «سلمان» رحلته بماليزيا، حيث أشرف على التوقيع على اتفاقات نفطية مربحة، ويبدو أنّه تعرّض لمحاولة اغتيال فاشلة، قبل زيارة سلطان «بروناي».

ولهذه الرحلة آثارها الضّخمة على كلٍّ من السياسة الإقليمية وواشنطن. ويدرك السّعوديّون جيّدًا ضرورة تنويع اقتصادهم، والذي يعتمد بشكلٍ كبير على صادرات النفط، وهم حريصون على جذب الاستثمارات من الاقتصادات الآسيوية الكبرى، بالإضافة إلى توزيع هباتهم. كما أنّهم ينظرون إلى جنوب شرق آسيا، بوجود هذا العدد الضّخم من السكّان السنّة، كعالم يمكنهم فيه ممارسة سلطتهم.

وفي الوقت الذي يبدو فيه عدم اليقين والشلل السياسي الذي يضرب الغرب، يصبح المحور الآسيوي هامًّا للغاية. وكتب «جيرالد فايرستاين» في فورين أفيرز: «ربما تكون هناك رسالة ضمنية غير معلنة من الجولة وهي أنّ السعودية تملك المرونة فيما يتعلّق بعلاقتها مع الولايات المتّحدة».

لكنّ ساحة واحدة للتوسّع في هذه الرّحلة كانت مثيرة للدهشة، إنّها جزر المالديف، التي سيزورها «سلمان» في الأسبوع الأخير قبل عودته للريّاض. فالدّولة التي تتكوّن من مجموعة جزر في المحيط الهندي ذات عدد سكّان محدود، ما يقارب 400 ألف نسمة، لكن لديها سواحل شاسعة على المحيط، تمتدّ إلى نحو 1000 كيلومتر عبر بعض أكثر طرق الشّحن أهمّية في العالم. ويحوم الجدّل حول ما ذكر عن نيّة المملكة استثمار مليارات الدولارات في جزر فافو المرجانية، والتي تتكوّن من 26 جزيرة.

وقد أكّدت الحكومة المالديفية، التي يقودها الرئيس «عبد الله يمين»، أنّ الاتّفاق يشمل استثمارات في البنية التحتيّة ومساكن جديدة في البلاد التي تتعرّض لخطر ارتفاع منسوب سطح البحر. بينما يوجّه المنتقدون الاتّهام للحكومة ببيع جزء من أراضي الدولة للمستثمرين الأجانب لملء جيوبهم الخاصة بالمال.

ورفض بيان الحكومة هذا الأسبوع مثل هذه الادّعاءات. وجاء في البيان: «تطعن الإدارة بشكلٍ كامل في هذه المزاعم بأنّ الجزر المرجانية قد بيعت لكيانٍ أجنبي». لكن لم يذكر الكثير حول الخطط المعدّة للجزر أو طبيعة الصفقة الاستثمارية.

وقد صرّح زعيم المعارضة، «محمد نشيد»، للصّحافة خلال زيارة لواشنطن حول الأمر قائلًا: «من الصّعب أن أصدّق أنّه مشروعٌ تجاري سليم. عادةً ما يتعيّن عليك القيام بعملية عرض عطاءات شفّافة وسليمة، لكنّ الرئيس يمين اختار أن يفعل ذلك في الظّلام».

وقد تعرّض «نشيد»، الذي يعيش بالمنفى في لندن، لسنواتٍ من السّجن كمعارض سياسي، قبل مساهمته في إسقاط الديكتاتورية التي استمرّت ثلاثة عقود بالمالديف. وقد فاز بأوّل انتخاباتٍ حرّة ديمقراطية عام 2008، لكنّ حكمه لم يستمرّ بعد الإطاحة به فيما وصفه معظم المراقبين الدوليين بالانقلاب عام 2012.

وقد تبع ذلك فترة اضطراب فاز فيها نشيد بانتخاباتٍ جديدة، لكنّ فوزه قد أحبط عن طريق خصومه السياسيين، وانتهى به المطاف في السّجن مرّةً أخرى بتهمٍ ملفّقة. واستطاع فريق عمل من المحامين الدوليين، من بينهم أمل كلوني، أن يحصلوا له على إفراجٍ صحّي العام الماضي، طلب على إثره اللجوء إلى بريطانيا.

لكنّ نشيد لم يتخلّ عن القتال، وقال أنّه يشعر بالقلق إزاء النّفوذ السعودي في بلاده. وأضاف: «هذا نتيجة ألّا تكون هناك ديمقراطية أو حريّة تعبير، أن يكون هناك ديكتاتور. لكنّ الأمر مختلف أن تخسر جزرًا مرجانية، أن تفقد السّيادة. أنا موقن أنّ الشّعب المالديفي يشعر بالقلق العميق، وسنرى كيف يمكن أن يدحر هذه الخطط».

ويمتدّ القلق إلى ما وراء الدور السّعودي في صفقة الجزر. فالمالديف التي هي دولة مسلمة قد لا يكون بها غير السنّة. وفي الأعوام الأخيرة، وعلى غير عادة البلاد، بدأ التطرّف الديني بالظّهور في المالديف. وتقدّر أعداد المالديفيين الذين سافروا إلى سوريا للانضمام للجماعات الجهادية ما بين 200 إلى 300 شخص. وهذا رقم كبير للغاية بالنّظر إلى عدد السّكان. ولنتخيّل الأمر، فإذا ذهب الأمريكيون إلى سوريا بنفس النّسبة، سيسافر 165 ألف أمريكي على الأقل.

يضع «نشيد» جزءًا من هذه المسؤولية على كاهل السّعوديين، الذين قضوْا عشرات الأعوام في نشر التفسير المتشدّد الصارم من الإسلام داخل الدول الأخرى ذات الأغلبية المسلمة. وفي إندونيسيا، أكبر دول العالم من حيث عدد السكّان المسلمين، استطاعت شبكة المدارس والمساجد والمرافق الطبية التي أنشأتها السّعودية في زرع الولاء للمملكة وإخراج جيلٍ جديد من أتباع تفسيرها من الإسلام بدون هوادة. ويقول «نشيد»: «إنّ هذه النسخة من الإسلام ضيّقة للغاية وتورّج للحكم الاستبدادي. وكان يروّج لها في المالديف لعديد السنوات، وقد خلقت أرضيّة خصبة للإسلام الراديكالي».

ليست السّعودية هي القوّة الأجنبية الوحيدة المهتمّة بجزر المالديف. ترى الصّين المالديف محورًا رئيسيًا في رؤيتها «طريق الحرير البحري الجديد» والتي تربط المصالح التجارية الصينية في الشرق الأوسط. وكانت بكين تعزز باستمرار نفوذها في المحيط الهندي وتعمل على تعميق العلاقات مع حكومة «يمين».

ويرى «نشيد» أنّ بكين قد يكون لها يد في صفقة الجزر مع السّعودية، وقد تستخدم نفوذها في المالديف لإزاحة منافستها الإقليمية، الهند. وقد منحت الحكومة المالديفية للصّين العام الماضي عقد إيجار لمدّة 50 عامًا لجزيرة غير مأهولة بالقرب من جزيرة العاصمة، ماليه.

ويضيف «نشيد»: «لا نريد أن نعلق في وسط حربٍ باردة بين الدّول».

لكن مع وطأ الحاشية الضّخمة للملك السّعودي على شواطئ بحيرات الفيروز في جزر المالديف، لن يكون من الصّعب أن نرى بداية اللعبة الكبرى الجديدة في آسيا.

المصدر | واشنطن بوست