السلفية في إندونيسيا.. ماذا بعد زيارة الملك سلمان؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2818
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ذا أتلانتيك – التقرير
عندما وصل العاهل السعودي الملك سلمان إلى إندونيسيا يوم الأربعاء، أصبح أول ملك سعودي يزور أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة في العالم منذ عام 1970. وقد أمل المسؤولون في جاكرتا في أن تساعدهم الزيارة على تعزيز العلاقات التجارية وتأمين مبلغ 25 مليار دولار باستثمارات الموارد. وكان ذلك يمثل إخفاقا بشكل عام، حيث وافقت المملكة يوم الخميس على عقد صفقة واحدة فقط جديدة بمبلغ زهيد نسبيا وهو واحد مليار دولار.
ولكن على مدار عقود، كانت السعودية قد قامت بتخصيص استثمارات كبيرة من نوع مختلف، كتلك التي تهدف للتأثير على الثقافة والدين بإندونيسيا. وجاءت الزيارة الحالية للملك في ذروة تلك الحملة المنهجية، حيث “يمتلك القدرة على التسريع والتوسع في الموارد الثقافية السعودية في إندونيسيا”، وذلك وفقا لما قاله كريس شابلن، الباحث في المعهد الملكي الهولندي بجنوب شرق آسيا. وأضاف، “في الواقع، نظرا لحجم الوفد المرافق له، لم أتفاجأ إنه سيكون هناك إرباك في تدعيم شبكة التواصل بين الخريجين الإندونيسيين بالجامعات السعودية”.

كيف تغلبت إندونيسيا على الإرهاب حتى الآن
يقول البعض أنه منذ عام 1980، والمملكة العربية السعودية تخصص ملايين الدولارات لتصدير الفكر الإسلامي السلفي إلى إندونيسيا المتسامحة والمتنوعة تاريخيا. فقد قامت ببناء أكثر من 150 مسجدا (ولو أن البلاد تمتلك من المساجد حوالي 800 ألف)، وذلك بالإضافة إلى جامعة حرة ضخمة في جاكرتا، والعديد من معاهد اللغة العربية، كما قامت بتمويل أكثر من 100 مدرسة داخلية بجانب الكتب والمعلمين (ولو أن الدولة تمتلك ما يقدر بعدد بين 13 ألف و 30 ألف مدرسة داخلية). وقامت السعودية أيضا بنقل الدعاة والمعلمين، وكذلك توزيع الآلاف من المنح الدراسية للدراسات العليا بالمملكة العربية السعودية. ويضاف كل هذا إلى الشبكة السعودية عميقة التأثير.
وقال وحيد الدين، وهو خبير في السلفية الإندونيسية بجامعة شريف هداية الله الإسلامية (يو آي) بجاكرتا، “إن ظهور السلفية في إندونيسيا تعد جزءا من المشروع العالمي السعودي لنشر فكرها في جميع أنحاء العالم الإسلامي”.
والسلفية هي حركة سنية تعدو إلى العودة إلى التقاليد الإسلامية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ومعاصريه. ونشأت هذه الحركة كرد فعل على الاستعمار الأوروبي في القرن الثامن عشر بمنطقة الشرق الأوسط، وتأصلت بشكل خاص في المملكة العربية السعودية على يد الواعظ محمد بن عبد الوهاب. وتحالف عبد الوهاب مع آل سعود في عام 1744 عزز الوهابية باعتبارها العمود الفقري الروحي للدولة السعودية. وفي القرن العشرين، بدأت المملكة العربية السعودية، التي أصبحت غنية بالنفط بشكل خرافي، في استمار موارد مبير لنشر أيديولوجيتها في الخارج.
يذكر أن محور السلفية الإندونيسية يتركز في معهدالعلوم الإسلامية والعربية، وهي عبارة عن جامعة في جنوب جاكرتا ممولة بالكامل من المملكة العربية السعودية، والتي كان الحرم الجامعي بها يملؤه الضجيج قبل زيارة الملك بيوم.
وقال أحد الطلاب الذي يشبه معظم الطلاب الذكور الآخرين في الجامعة، ذو لحية خفيفة وبنطالا قصيرا، “إنه لشيء عظيم حقا أن تصبح بلدينا متقاربين أكثر”. وأضاف، “لقد كنت أقرأ جميع الأخبار المتعلقة بالزيارة الملكية. وأتمنى أن تخدم الزيارة دراستي الخاصة في المملكة العربية السعودية، إن شاء الله”.
جدير بالذكر أن معهد العلوم الإسلامية والعربية فتح أبوابه في عام 1980. وكان الغرض منه هو نشر اللغة العربية، ولا توجد كلمة واحدة باللغة الرسمية للبلاد، وهي الإندونيسية، على الحرم الجامعي، ولا على لافتة الحمام، ولا في كتاب بالمكتبة. والتعليم بالمعهد مجانا لجميع طلابها الـ 3500. ولا يوجد اختلاط بين الرجال والنساء. وهناك يقوم الطلاب الذكور بحضور المحاضرات بشكل حي في طابق واحد، في حين تقوم الطالبات بمشاهدة المحاضرات نفسها عبر بث مرئي، وذلك في طابق منفصل.
وقامت وزارة الشؤون الدينية الإندونيسية باعتماد معهد العلوم الإسلامية والعربية في عام 2015، وذلك يبشر بالخير حيث تسعى الجامعة لافتتاح أربعة فروع أخرى في مختلف أنحاء البلاد. وكان حامد السلطان، رئيس قسم اللغة العربية بالمعهد، على ثققة من أن المزيد من الفروع قد يتم افتتاحها بحلول خريف هذا العام. ولكنهم سيحتاجو إلى الضوء الأخضر من الوزارة، التي أعربت عن قلقها بشأن ما إذا كانت الفروع ستدعم الإسلام المعتدل وفلسفة الدولة الإندونيسية، التي تتمثل في الحفاظ على قدسية التسامح الديني أم لا.
يذكر أن محمد أدلين سيلا من وزارة الشؤون الدينية كان أكثر صراحة، حيث قال “إننا نشعر بالقلق إزاء بعض الخريجين من معهد العلوم الإسلامية والعربية ممن يعدو من الجماهير الكبيرة المؤيدة لفكرة الخلافة [خلافة الدولة الإسلامية].
وقال أوليل أبشار عبد الله، وهو خريج من معهد العلوم الإسلامية والعربية، والذي يدير الآن شبكة الإسلام التحرري، إنه وجد المناخ اللاهوتي القمعي بالجامعة عندما حضر في أوائل التسعينات. وأوضح قائلا “إن اللاهوت، وهو موضوع دراسي إلزامي هناك، يقوم بتعليمه المتلزمون الوهابيون فقط، وأعتقد حقا أن عقديتهم تتناقض مع الإسلام الإندونيسي التقليدي، والذي عادة ما يكون توافقي ومريح”.

“الوهابية، الوهابية، الوهابية.. يغامر الناس حول هذا المصطلح دون فهم لمعناه!”
وعلى الجانب الآخر من معهد العلوم الإسلامية والعربية، هناك مئات الإندونيسيين يتلقون منحًا دراسية للدراسة في الجامعات السعودية كل عام. وخلال عقود قليلة، سيصبح للخرجين من هذه البرامج تأثيرا على الصعيد الوطني في بلادهم. وكان منهم حبيب رزق، وهو مؤسس جبهة المدافعين عن الإسلام، حيث حضر في كلٍ من معهد العلوم الإسلامية والعربية وجامعة الملك سعود في الرياض، كما تخرج جعفر عمر طالب من معهد العلوم، وهو مؤسس جماعة الجهاد الإسلامي السلفية. وهناك الزعماء الإسلاميون اليمينيون مثل هدايت نور وحيد، وهو عضو في البرلمان وحاصل على ثلاث شهادات من منحة دراسية من جامعة المدينة المنورة، وهو شخصية بارزة في الحياة السياسية.
جدير بالذكر أن معهد العلوم الإسلامية والعربية قام أيضا بإنشاء مدارس إسلامية داخلية. ووفقا لما قاله وحيد الدين، فالعديد من المدارس الداخلية السلفية تقوم السعودية بإمدادها بالمعلمين، خاصة معلمي اللغة العربية، وكذلك الكتب المدرسية. وقال وحيد بالنسبة للأسر الفقيرة، فهذه المدارس الإسلامية هي الخيار الوحيد الممكن لتعليم أطفالهم.
وقال السفير السعودي لدى إندونيسيا، إنه بالنسبة للمناطق التي دمرتها الكوارث الطبيعية مثل تسونامي في عام 2005، “لقد قمنا ببناء المساجد والمستشفيات والمدارس هناك وكذلك معاهد اللغة العربية”.
ويرى البعض أن أحد الأسباب في تردد إندونسيا في صد تقدم الثقافة السعودية هو الحصة المهمة لأندونيسا في الحج، والتي تتمثل في عدد المواطنين الذين يمكنهم الحج إلى مكة المكرمة في عام محدد. وتحصل إندونيسا على أكبر ترخيص بالعالم، حيص وصل عدد المصرح لهم بالحج هذا العام إلى 221 ألف شخص.
وتقريبا كل زعيم إندونيسي، بداية من الرئيس حتى وزير الخارجية ورئيس مجلس النواب، نوهوا عن حصص الحج باعتبارها محورا مهما في رحلة الملك سلمان.
يذكر أن أول هدف سياسي كبير أعلن عنه لهذه الزيارة، لم يتناول الحج، ولكن كان يدور حول الإرهاب. وقال السفير السعودي، للصحفيين يوم الثلاثاء، إن هناك اتفاقا لمكافحة الإرهاب، سيكون هو “المحور” للاتفاقات الموقعة في إندونيسيا هذا الأسبوع.

“نحتاج من الملك سلمان أن يُدلي ببيانا واضحا وصريحا لاستنكار التطرف”
لقد كانت من المفارقات حينها، أن بعض الجهاديين الرواد في إندونيسيا قد اجتازوا بنجاح الدراسة في المؤسسات السعودية. ووفقا لوحيد الدين، فعلى الرغم من أن السلفية إلى حد كبير منهج “مهادنة”، أو لا تساعد على تشجيع النشاط السياسي، إلى أن هناك فصيلا متزايدا من الجهاديين السلفيين في إندونيسيا. ويقال إنه في عام 1972، ساعد التمويل السعودي في تأسيس “رابطة اللبلاب” للمدارس الإسلامية الداخلية.
وجدير بالذكر أن المملكة قد دفعت منذ فترة طويلة بنسختها للدولة ذات الفكر الإسلامي التي في الواقع تشكل حصنا ضد التطرف العنيف، كما قامت بمشاركة دول مثل الولايات المتحدة في محاربة الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة. ولكن التاريخ الحديث لإندونيسيا، والذي يميز بين السلفية والجهادية ليس واضحا المعالم.
وقال يحيى شوليل، من منظمة نهضة العلماء الإسلامية المعتدلة، “نحن بحاجة إلى أن يدلي الملك سلمان ببيانا واضحا وصريحا يستنكر فيه التطرف”. وقال خلافا لذلك، “إن هذه الزيارة ستفهم بسهولة على أنها تمنح المزيد من الدعم للحركات الإسلامية المتشددة في إندونيسيا، كما هو الوضع بالفعل من ناحية الفهم العام السائد والذي يتمثل في أن الحركات الراديكالية تأخذ المرجعية الدينية من الوهابية السعودية وأنها كانت تتمتع بأنواع مختلفة من الدعم من المملكة العربية السعودية”.
ومن جانبه، يعتقد السفير السعودي أن مثل هذه المخاوف المتعلقة بتأثير أيديولوجية الاستثمارات السعودية هو أمر خارج عن القاعدة. وقال الشوايبي، “الوهابية، الوهابية، الوهابية.. يحب الناس المغامرة حولها دون فهم معناها!”، وأضاف: “إنهم يلقون باتهامات لا أساس لها. وهذا الأمر جنوني!”
ولا يزال بعض الزعماء الإندونيسيين متفائلين بشكل حذر فيما يتعلق بتوثيق العلاقات مع المملكة العربية السعودية. وقال يأني وحيد لرويترز، وهو ناشط إسلامي معتدل، “إن كلتا الدولتين تواجهان نفس التحدي المتمثل في ارتفاع نسبة التطرف والتعصب، ولذلك فالتعاون في تلك المجالات سيكون مفيدا”.
وقد تكون إندونيسيا هي أكبر منصة دبلوماسية ثقافية بالنسبة للمملكة العربية السعودية، ولكنها بالكاد تكون الوحيدة. وقامت المملكة العربية السعودية بإنشاء المزيد من الفروع الجامعية في الأزهر الشريف بمصر في الثمانينيات، وقامت بتمويل العديد من المدارس في مرحلة ما قبل طالبان باكستان وأفغانستان، وأرسلت عدد 25 ألف رجل دين إلى الهند بين عامي 2011 و 2013، من معهد العلوم الإسلامية بجاكرتا، وكانت في وقت سابق تتمركز في البوسنة وجيبوتي.
وقد علق مراقبون بأن موازين القوى تبدو في مرحلة تحول فيما يتعلق بالعلاقة بين إندونيسيا والسعودية، حتى أن السابقة نظريا من حيث مقاومة التوسع الغير مرغوب فيه تعد في وضع أفضل بكثير مما كانت عليه في السنوات الأولى من تأسيس جمهوريتها.
وقال لطفي أسيانوكي، وهو أكاديمي إسلامي ليبرالي، “إن وضعنا الاقتصادي يختلف كثيرا، وانقلب تقريبا، منذ زيارة السعودية الماضية”. وقال سيلا، من وزارة الشؤون الدينية، “أعتقد أننا يمكننا الاستفادة من ذلك في تنظيم الاستثمارات السعودية بحكمة”، وأضاف: “أعتقد أن الحكومة السعودية تحتاج إندونيسيا الآن أكثر وليس العكس، أقلها من حيث الإيرادات العائدة من الحجاج”.
ويقول البعض بما أن الاقتصاد السعودي في مرحلة تقلب، حيث يتم فرض إجراءات تقشفية داخل البلاد، فهل ستقوم بتكثيف جهودها العالمية أم تقلصيها؟ قد لا يهم ذلك.
وقال شابلن، “إن المدارس الإسلامية الداخلية السلفية، لم تعتد بالضرورة تتلقى التبرعات من السعودية، فقد أصبحت بارعة بشكل لا يصدق في جمع الأموال محليا”.
ومع ظهور المتشددين، وانتشار اللغة العربية، والخلايا الجهادية السلفية في إندونيسيا، فالسلفية لها تأثير لا يمكن إنكاره في هذا الوضع. ويقول البعض إنه في إندونيسيا، على الأقل، ترى المملكة العربية السعودية بالفعل ثمار عملها. وربما ينمو النظام البيئي الديني الجديد ذاتيا.