هل تنجح سياسة "مغازلة ترامب" عبر بوابة محاربة داعش في سوريا؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 562
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

عماد عنان

الجدل المشوب بالترقب والقلق الذي صاحب قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بسبب تصريحاته العدائية في كثير من مضمونها حيال بعض الدول والملفات، لا سيما المتعلقة بمستقبل الشرق الأوسط، دفع بعض القوى الإقليمية إلى محاولة التقرب من الرئيس الامريكي، دونالد ترامب، بالعديد من الوسائل، منها ما يتعلق بإعادة تقييم للمواقف والتوجهات، ومنها ما يتعلق بتقديم المبادرات التي من شأنها تحسين الصورة الذهنية لتلك القوى لدى واشنطن.

ويعد المشهد السوري أبرز ساحات المغازلة والتودد بين ترامب والقوى الشرق أوسطية، وهو ما عكسته تصريحات الرياض وأنقرة بشأن تأييد وجهة النظر الأمريكية حيال مستقبل الأزمة السورية، فبعد تلميحات الرئيس الجديد بشأن ضرورة إعادة واشنطن كأحد اللاعبين البارزين في الملعب السوري عبر بوابة المناطق الآمنة تارة، ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" تارة أخرى، كانت الإدارتين، السعودية والتركية، أبرز الداعمين لهذه المقترحات.

الرياض تجدد استعدادها إرسال قوات لسوريا

أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، استعداد المملكة لإرسال قوات خاصة إلى سوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بجانب القوات الأمريكية، وبمشاركة بعض الدول الخليجية الأخرى.

وأضاف الجبير في حوار له مع صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية، أن هناك دول من التحالف الإسلامي ضد الإرهاب مستعدة لإرسال قوات أيضًا، متوقعًا عرض مثل هذه المقترحات والخطط قريبًا على الإدارة الأمريكية لمناقشتها ووضع التصور النهائي لها، خاصة أن الرئيس الأمريكي كلف وزير دفاعه جيمس ماتيس بعرض خطة جديدة في غضون ثلاثين يومًا لمكافحة تنظيم الدولة.

وزير الخارجية السعودي في معرض حديثه أوضح أن الهدف من المشاركة العسكرية في سوريا يتمثل في تحرير بعض المناطق من أيدي التنظيمات المسلحة من جانب، وضمان عدم وقوعها في قبضة حزب الله اللبناني أو إيران أو النظام السوري من جانب آخر، ثم تسليمها للمعارضة بما يعزز موقفها.

اللواء أحمد عسيري: "المملكة مستعدة لإرسال قوات برية، تحت مظلة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية"

وخلال حواره جدد الجبير مرة أخرى تمسك الرياض بثوابتها السابقة فيما يتعلق بمستقبل الأزمة السورية، وأبرزها رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد، ملفتًا أنه لا مكان له في مستقبل سوريا بعد كل ما تورط فيه من جرائم، مشددًا على أن بلاده تعمل في سوريا مع المجتمع الدولي لحل سياسي يتأسس على إعلان مؤتمرات جنيف للسلام وقرار الأمم المتحدة 2254.

إعلان السعودية استعدادها إرسال قوات خاصة لسوريا ليس الأول من نوعه، فمنذ عام 2015 والرياض تؤكد دومًا استعدادها لإرسال قوات برية إلى سورية لمحاربة "داعش"، وهو ما عبر عنه المستشار في وزارة الدفاع السعودية اللواء أحمد عسيري حينها، بقوله إنّ "المملكة مستعدة لإرسال قوات برية، تحت مظلة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية".

جدير بالذكر أن المشاركة العسكرية السعودية في سوريا بدأت في نوفمبر 2014، حين أعلنت بجانب قطر والإمارات ودول أخرى المشاركة في الضربات الجوية التي يشنّها التحالف الدولي  ضد "داعش" في سوريا، إلا أن الرياض لا زالت تبحث عن تدخل بري يعيدها للمشهد السوري من جديد بعد سيطرة التحالف الروسي التركي الإيراني على مجمل الأوضاع هناك.

وزير الخارجية السعودي ونظيره التركي ومباحثات بشأن مستقبل سوريا

تركيا والتنسيق مع واشنطن

التفاهمات الأمريكية التركية بشأن التعاون العسكري ضد تنظيم "داعش"  وطرده من شمال سوريا خاصة مدينة الباب لا تخفى على أحد، وهو ما أكد عليه المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إريك باهون بقوله إن علاقات بلاده مع تركيا، عن سوريا، في تطور مستمر، ملفتًا أنه "في الآونة الأخيرة ثمة تعاون متقدم مع تركيا خصوصًا بما يتعلق بالعمليات عن مدينة الباب، وعلاقتنا مع حليفتنا في الناتو بخصوص سوريا في تطور إيجابي مستمر".

يذكر أن اتصالاً هاتفيًا جمع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا تتطرق إلى تفعيل سبل التعاون العسكري في مدينتي الرقة والباب الخاضعتين لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية  "داعش".

 أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على ضرورة إرسال بلدان المنطقة والأعضاء في التحالف الدولي قوات خاصة إلى مدينة الرقة السورية بهدف استعادتها من تنظيم الدولة

وتخوض أنقرة معركة ضارية في شمال سوريا منذ ستة أشهر تقريبًا، حيث تقدم الدعم لفصائل معارضة سورية  تخوض معاركا عسكرية في الشمال السوري, تحت مسمى "درع الفرات" وهي عملية عسكرية أطلقتها وحدات خاصة تركية في أغسطس 20166، في مدينة جرابلس السورية (شمال)، لدعم قوات الجيش الحر المعارض وبالتنسيق مع القوات الجوية للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، ونجحت العملية المتواصلة، في تطهير المدينة والمنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا من كافة العناصر المسلحة، إضافة إلى تحرير مدينة الباب من قبضة "داعش" بعد مواجهات ضارية أسفرت عن طرد "داعش" من المدينة بالكامل

وتماشيًا مع التوجه الأمريكي الجديد الساعي إلى التدخل العسكري في سوريا، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على ضرورة إرسال بلدان المنطقة والأعضاء في التحالف الدولي قوات خاصة إلى مدينة الرقة السورية بهدف استعادتها من تنظيم الدولة، لقطع الطريق على أي تقدم تحققه قوات سوريا الديمقراطية باتجاه المدينة.

روسيا.. موافقة مشروطة

روسياً، علق وزير الخارجية سيرغي لافروف على مقترح ترامب بأن موسكو لا تمانع في بناء مناطق آمنة بشرط موافقة السلطة الشرعية في دمشق، وبعد التنسيق معها حول الكيفية وآليات التنفيذ.

الدكتور مسلم شعيتو، رئيس المركز الروسي العربي، أشار إلى أن موقف روسيا لا يأتي من باب مجاراة المواقف الأميركية كما يروّج البعض، إنما من باب الاستمرار في النهج الذي تسلكه موسكو لمحاولة تعميم المصالحات في سوريا، من خلال توسيع دائرة المناطق الآمنة اجتماعياً، لتشمل أطرافاً جديدة ربما تنخرط في العملية السياسية لاحقاً.

شعيتو في حديث متلفز أشار إلى أن الرئيس الأميركي الجديد يسعى إلى إقامة منطقة تعيده إلى الملعب السوري مرة أخرى، انطلاقاً من قواعده العسكرية الموجودة في الشمال الكردي السوري، وتابع: الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على مصالحها وأمنها الاقتصادي، إذ اتهمت ألمانيا من قبل باستقبال اللاجئين بشكل غير طبيعي، معتبرًا أن المناطق الآمنة تمهد الطريق لعودة واشنطن إلى طاولة المفاوضات أثناء تقاسم الأرباح.

الرئيس الأميركي الجديد يسعى إلى إقامة منطقة تعيده إلى الملعب السوري مرة أخرى، انطلاقاً من قواعده العسكرية الموجودة في الشمال الكردي السوري

إحياء الدور الأمريكي سوريًا

المتابع للمشهد السوري يجد أن التحالف الروسي الإيراني التركي نجح في السنوات الأخيرة من سحب البساط من تحت الأقدام الأمريكية لعدة أسباب، ومن ثم باتت واشنطن خارج إطار الحلبة السورية بصورة عززت دور موسكو الإقليمي فضلاً عما تحمله من مؤشرات لتنامي النفوذ الإيراني، مما يحمل بين ثناياه تهديدًا للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بأمن إسرائيل وحلفائها الخليجيين.

ومن ثم وحين تولى ترامب مقاليد الأمور بات الحديث عن آلية لإعادة الدور الأمريكي في سوريا من جديد الشغل الشاغل للإدارة الجديدة، وهو ما بدت ملامحه تتكشف رويدًا رويدًا بالتصريح الذي أدلى به سيد البيت الأبيض الجديد بقوله: "سأقيم بالتأكيد مناطق آمنة في سوريا للأشخاص الفارين من العنف"، ثم تلاه تصريحات أخرى تتعلق بضرورة التحالف لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.

حين تولى ترامب مقاليد الأمور بات الحديث عن آلية لإعادة الدور الأمريكي في سوريا مرة أخرى الشغل الشاغل للإدارة الجديدة

تصريحات ترامب الأخيرة لاقت حالة من الجدل والتباين في الموقف والرؤى، حيث رفضها النظام السوري وتحفظ عليها الروس واستنكرتها طهران، لكن تركيا تعاملت معها بحنكة سياسية تخدم مصالحها في الشمال السوري حين أقرت تأييدها لهذه المقترحات شرط ألا يتعارض ذلك مع الأمن القومي التركي وألا يكون على حساب الثوابت التركية في الملف السوري وأبرزها الأكراد.

أما الرياض فكانت من أوائل الدول التي أعلنت تأييدها المطلق لمقترحات ترامب، وهو ما دفع الأخير إلى إجراء اتصال هاتفي بينه وبين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي عهد أبو ظبي، أسفر عن موافقة مبدأية سعودية إماراتية على تمويل المناطق الآمنة المزمع إقامتها في سوريا.

وها هي اليوم الرياض تواصل مغازلتها الواضحة للرئيس الجديد من خلال تجديد عزمها إرسال قوات خاصة للمشاركة في الحرب ضد "داعش"، واستعدادها للتعاون الكامل وفق ما تتضمنه الخطة الأمريكية المقترحة والتي تم تكليف وزير الدفاع للانتهاء منها بعد شهرين تقريبًا.

المناطق الآمنة.. ورقة ترامب التي قد تُعيد تشكيل اللعبة في سوريا 

هل تستطيع الرياض؟

العديد من التساؤلات فرضت نفسها عقب التصريحات السعودية الأخيرة بشأن إرسال قوات خاصة إلى سوريا، ومدى قدرة الرياض على القيام بذلك، فضلاً عن احتمالات النجاح والفشل، خاصة في ظل ما تعاني منه المملكة من أزمات اقتصادية طاحنة دفعتها إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات التقشفية لأول مرة في تاريخها.

الفشل الواضح للتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن بات شبحًا يهدد التحركات الساعية إلى إعادة إحياء هذه التجربة في بلد آخر، خاصة إن كان معقدًا بطبيعته كما هو الحال في سوريا، فعلى مدار ما يزيد على عام من بداية الضربات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن تكبدت المملكة العديد من الخسائر المادية والبشرية، على عكس ما كان متوقعًا، وهو ما دفعها لعقد أكثر من هدنة مع قيادات الحوثيين وأنصار الرئيس اليمني الأسبق على عبد الله صالح، في محاولة لالتقاط الأنفاس وكسب مزيد من الوقت، لتدبر احتياجاتها المالية على المستويين الداخلي والخارجي، خاصة بعد انخفاض أسعار النفط بشكل ملحوظ.

الفشل السعودي في حسم معركته في اليمن بات شبحًا يهدد تكرار السيناريو في سوريا

الفشل الواضح للتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن بات شبحًا يهدد التحركات الساعية إلى إعادة إحياء هذه التجربة في بلد آخر، خاصة إن كان معقدًا بطبيعته كما هو الحال في سوريا

السيناريو السعودي في اليمن دفع الكثيرين إلى التقليل من شأن تصريحات الجبير، ووصفها بأنها لا تعدو كونها "مغازلة" أو " تودد" للإدارة الأمريكية الجديدة، في محاولة لامتصاص موقفه العدائي السابق من المملكة، وهو ما نجحت فيه بالفعل، حيث تحول موقف ترامب حيال السعودية خاصة ودول الخليج عامة بصورة لفتت الانتباه وأثارت العديد من التساؤلات.

وبحسب المحللين فإن السعودية لا تستطيع تحمل نفقات إقامة المناطق الآمنة المقترحة من ترامب، وليس لديها السيولة الكافية للدخول في حرب عسكرية برية في سوريا، حتى وإن كانت تحت القيادة الأمريكية، خاصة أن الأخير يعول بصورة كبيرة على دول الخليج في تمويل هذه العمليات حسبما أشار من قبل.

من الواضح أن السباق نحو كسب تأييد ودعم دونالد ترامب سيكون من خلال تمهيد الطريق نحو عودة واشنطن إلى الملعب السوري مرة أخرى، وبصورة أقوى مما كانت عليه في عهد أوباما، وذلك عبر دعم مقترحيه "محاربة داعش" و"إقامة المناطق الآمنة"، إلا أن نجاح تنفيذهما يجب أن يراعي في الحسبان ردود فعل كل من موسكو وطهران، وهو ما قد يقود المشهد السوري نحو مزيد من التعقيد.