منقذ سوق النفط.. السعودية لا يمكنها أن تفلت من مصيرها كمنتج متأرجح

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 877
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ميديل إيست آي – التقرير
لقد اضطرت المملكة العربية السعودية للعودة إلى دور المنتج المتأرجح في سوق النفط، وذلك على الرغم من إصرار البلاد على مدار ثلاثة عقود، على أنها لن تلعب أبدًا هذا الدور مرة أخرى.
يذكر أن المملكة العربية السعودية وحلفاءها في مجلس التعاون الخليجي، يشكلون غالبية تخفيضات الإنتاج، التي تحققت حتى الآن، في إطار الاتفاقات من داخل وخارج أوبك، التي تم التوصل إليها في شهري نوفمبر وديسمبر.
ويرى البعض أنه بخفض إنتاجهم بشدة، حجبت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها المستوى المنخفض للامتثال عن بقية المنظمة.
ومن خارج أوبك، ووفقا لمصادر، لم تسلم روسيا حتى الآن سوى ثلث ما وعدت به من خفض في الإنتاج، وذلك بمعدل 300 ألف برميل يوميا.
ودائما ما تتعهد روسيا والمنتجون الآخرون بالتخلص من التخفيضات، التي من المفترض أن تكون في المتوسط خلال الأشهر الست الأولى من العام 2017.
وبالمعنى الدقيق للكلمة، لم يفشل الأعضاء من أوبك وخارجها بعد، في الالتزام بوعودهم، وذلك لأنه لا يمكن خفض الإنتاج بشكل حاد أكثر، فيما تبقى من فترة الامتثال.
لكن المملكة العربية السعودية وحلفاء دول مجلس التعاون الخليجي زودوا مرة أخرى معظم التخفيضات مقدما، وقاموا بالحد من إنتاجهم لما يكفي، لخلق عجز في السوق، وخفض مخزونات النفط الخام الزائدة.
إن تعديل الإنتاج لتحقيق التوازن المطلوب بين العرض والطلب، أو تحقيق مستهدف معين للأسعار، هو الدور التقليدي للمنتج المتأرجح.
واضطرت المملكة العربية السعودية للعودة مرة أخرى لهذا الدور، رغم الإصرار من منتصف الثمانينات على أنها لن تحمل هذا العبء مرة أخرى.

مارس من عام 1983
يذكر أن المملكة العربية السعودية لعبت دور المنتج المتأرجح رسميًا، فقط لفترة قصيرة في أوائل الثمانينات، وذلك عندما فشلت في إيقاف الزيادة المعروضة من أسواق النفط العالمية، والتراجع في الأسعار.
وبدأت منظمة البلدان المصدرة للبترول في وضع مستهدف لإجمالي الإنتاج، وتحديد ذلك بين الأعضاء في مؤتمر وزاري في مارس من العام 1982.
وكان المستهدف الأول للمجموعة ككل، تخصيص 17.5 مليون برميل يوميا، وكان من المقرر أن تكون حصة السعودية 17.150 مليون برميل يوميا.
وبعد عام واحد، في مارس من العام 1983، عدلت أوبك من نظام المحاصصة، ورسميا تم افتراض أن المملكة العربية السعودية ستقوم بدور المنتج المتأرجح، وأنها ستقوم بتنويع إنتاجها، من أجل تحقيق التوازن بين العرض والطلب.
ووفقا لبيان صدر بعد ذلك، وافق الوزراء على “وضع سقف لإجمالي إنتاج أوبك من 17.5 مليون برميل يوميا، التي من خلالها تم تحديد الدول الأخرى الأعضاء”.
وذكر “بيان رسمي لأوبك”، نشر في نيويورك تايمز، في مارس من العام 1983، إنه “لم يتم تخصيص أي حصة للمملكة العربية السعودية، التي ستكون بمثابة المنتج المتأرجح، لتوريد الكميات المتوزانة لتلبية متطلبات السوق”.
وفي كثير من الأحيان، كانت المملكة العربية السعودية تقوم بدور منتج متأرجح غير رسمي، لكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها إضفاء طابع رسمي على هذا الدور.
يذكر أن دور المملكة العربية السعودية كمنتج متأرجح انتهى رسميا في العام 1984، عندما اختارت بدلا من ذلك حصة 4.35 مليون برميل يوميا، إن كان في واقع الأمر أنها استمرت في أداء هذا الدور، حتى سبتمبر من العام 1985.
وقال وزير النفط السعودي، زكي يماني، في مؤتمر صحفي بعد اجتماع مارس في العام 1983، “لدي شعور قوي بأن هذا سيتحقق، وأن أوبك ستكون في مقعد السائق”.
لكن السنوات الثلاث التالية، أثبتت صعوبتها على المملكة العربية السعودية، حيث قام أعضاء أوبك الأخرين بالخداع فيما يتعلق بحصصهم، وواصل الموردون المتنافسون خارج أوبك زيادة إنتاجهم، بالتالي تراجعت أسعار النفط.
يذكر أن المملكة العربية السعودية خفضت من إنتاجها لتحقيق التوازن في السوق، ودعم الأسعار لكن دون جدوى، ثم تحولت إلى نظام تسعير العائد الصافي، وذلك لاستعادة حصتها المفقودة في السوق، وتوصيل التراجع في أسعار النفط إلى 10 دولارات للبرميل.

لن يحدث أبدا مرة أخرى
يذكر أنه تمت إقالة يماني كوزير للنفط في عام 1985، وتم استبداله بهشام الناظر، والذي استبعد أي عودة للقيام بلعب دور المنتج المتأرجح.
وقال الناظر في مقابلة في سبتمبر من العام 1987، “سندعم أوبك بوعي، لكننا لن نعين أنفسنا أوصياء على سياسات أوبك، ولن نكون على استعداد للعب دور منتج متأرجح على الإطلاق”.
وكان خليفة الناظر كوزير للنفط، علي النعيمي، أكثر حدة، حيث قال في مقابلة في مارس من العام 1998، “حاولت المملكة العربية السعودية في الماضي أن تلعب دور المنتج المتأرجح عن طريق خفض الإنتاج، للإبقاء على سعر معين، لكن النتيجة كانت سلبية على المملكة”.
وقال، “على الرغم من انخفاض إنتاجها إلى أكثر من 10 ملايين برميل يوميا في العام 1980، إلى أقل من 3 ملايين برميل في العام 1985، فإن أسعار النفط انهارت. ونتيجة لذلك، لم تخسر المملكة من حيث الأسعار فحسب، بل إنها أيضا فقدت حضتها في السوق في ذلك الوقت”.
وطبقا لما ذكره النعيمي، في توضيح لوجهات نظر المملكة بشأن سوق النفط الحالي، “لقد تخلينا عن دور المنتج المتأرجح للأبد”.

لا مفر
جدير بالذكر أنه بشكل عملي، تعذر التخلي عن دور المنتج المتأرجح، أيا كان مدى بغض صناع القرار له.
وفي مارس من العام 1999، اخذت المملكة العربية السعودية مرة أخرى زمام المبادرة في خفض الإنتاج، وذلك لدعم الأسعار بعد الأزمة المالية الآسيوية.
وانتهت المملكة العربية السعودية والحلفاء من دول مجلس التعاون الخليجي، من توفير معظم التخفيضات في الإنتاج، التي ساعدت على استنزاف المخزونات الفائضة، ودفع الأسعار إلى مستوى أعلى في عامي 1999 و 2000.
وكتب أنس الحجي وديفيد هوتنر، بعد فترة وجيزة من اتفاق مكتوب بين أوبك وآخرين في العام 2000، إن “الدولة الوحيدة التي خفضت الإنتاج طوعا، وفقا لاتفاق مارس، هي المملكة العربية السعودية، بمساعدة ثانوية من الكويت والإمارات العربية المتحدة، في حين اضطرت جميع البلدان الاخرى المنتجة للنفط لخفض إنتاجها، بسبب عوامل فنية أو سياسية أو عادية”.
وفي أحدث جولة من التخفيضات، وبالاتفاق في نوفمبر وديسمبر من العام 2016، تحملت المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي أكبر حصة مرة أخرى، وذلك على الرغم من قضاء أشهر في الإصرار على أنهم لن يفعلوا ذلك مرة أخرى.

العبء السعودي
جدير بالذكر أن المشكلة أن دور المنتح المتأرجح ليس هو الدور الذي قد قبله صناع القرار السعوديون طوعا، لكنه دور فرض عليهم.
والمملكة العربية السعودية المنتج الوحيد الذي صدر بما يكفي، ولديه السلطة المركزية لممارسة قدر من القوة في سوق النفط.
والدول الرئيسية الأخرى المنتجة للنفط، عبارة عن شبكة موردين، أو يتم تقسيم إنتاجهم بين العديد من الشركات الصغيرة المستقلة، أو الصغيرة جدا، على أن يكون لها تأثير كبير على الأسعار العالمية.
والمملكة العربية السعودية، البلد الوحيد الذي يمتلك إنتاج مركزي في شركة واحدة وهي (أرامكو السعودية)، وتصدر بالقدر الكافي الذي يجعل لها تأثير كبير على الأسعار العالمية، وذلك بمعدل (7 – 8 ملايين برميل يوميا).
وتعد المملكة العربية السعودية أيضا منتج منخفض التكلفة، ولديها المرونة التشغيلية لضبط إنتاجها بقدر عال أو منخفض، وذلك بعدة ملايين من البراميل يوميا.
ومن ثم، فالمملكة العربية السعودية البلد الوحيد التي يمكنها إلى حد ما، اختيار مستهدف الإنتاج أو السعر، وذلك رغم عدم أهمية كلاهما معا.
ولأسباب هيكلية، دائما ما تكون المملكة العربية السعودية المنتج المتأرجح في سوق النفط الخام، سواء كانت ترحب بالدور أو لا.

العقاب
إن قوة المملكة العربية السعودية كمنتج متأرجح، تجسدت في سلسلة من المعامل، التي تديرها شركة شل، منذ أكثر من ربع قرن من الزمان.
ووفقا لتلك المعامل، التي جمعت خبراء من مختلف أنحاء صناعة النفط، إلى جانب ممثلي الأنظمة، فالمنتج المتأرجح يمكنه أن يعمل في وضعين، “وضع متأرجح عادي” و “ووضع متأرجح عقابي”.
وفي الوضع العادي، يعدل المنتج المتأرجح من إنتاجه لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، وإبقاء الأسعار على مقربة من الهدف المقصود.
أما في الوضع العقابي، يشعر المنتج المتأرجح بأن إنتاجه ضئيل، وأنه لا يحصل على حصة عادلة من السوق، أو يتلقى عائدات زهيدة للغاية. وبهذا يقرر إعادة ترسيخ وضعه بمعاقبة المنتجين الآخرين.
وفي هذا النموذج، يكون المنتج المتأرجح لديه حد مسموح، عند تعديه يكون غير مستعد للسماح بخفض حصته في السوق. وعندما تنخفض حصته في السوق دون حد مسموح، فالمنتج المتأرجح يحدد كمية تخزينية جديدة أعلى، والتي تغرق السوق وسرعان ما يؤدي ذلك إلى خفض الأسعار.
ويرى البعض أن هذا النموذج يصف سلوك المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة بشكل عقلاني.
يذكر أنه بين عام 2014 والنصف الأول من عام 2016، عملت المملكة في الوضع العقابي، وركزت على الدفاع عن حصتها في السوق، وسمحت بهبوط الأسعار.
ومع ذلك، ففي النصف الثاني من العام 2016، انتقلت المملكة إلى الوضع المتأرجح، وتقوم الآن بضبط الإنتاج، لكي تحقق الانخفاض المطلوب في مسويات التخزين، وتثبيت الأسعار.