السعودية وحروب تسعير البترول في الشرق الأوسط

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1539
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

دايلي ستار – التقرير
أثر انخفاض أسعار البترول بنسبة 70% – حيث وصل إلى أدنى مستوياته بسعر حوالى 47 دولار لكل برميل بترول – بشدة على جميع الدول المنتجة للنفط والغاز، وبخاصة السعودية، ومن أسباب هذا الركود هو الطلب المنخفض وتوسع الولايات المتحدة في استخراج الصخر الزيتي، ولكن ما يسهم أكثر في الانخفاض المستمر لأسعار البترول هو الحروب بين الدول المتجاورة في الشرق الأوسط.
دول مثل السعودية والعراق وإيران وليبيا والكويت – والذين يواجهون ضغوط مالية كبيرة للحفاظ على البرامج الاقتصادية والاجتماعية ولضمان الاستقرار الداخلي – تستمر في تقليل أسعار البترول؛ بسبب منافستهم على نفس الحصة السوقية ومحاولاتهم للإبقاء على عملائهم، وتسعى السعودية للحفاظ على استقرار سوق البترول ورفع الأسعار، عن طريق مقابلة منظمة الدول المصدرة للبترول وكذلك الدول غير المنتجة، والتى لا تعتبر عضو في منظمة “أوبك” مثل روسيا، وذلك للحد من الإنتاج.
ولكن بعد عدد من اللقاءات – بدايتهم كانت في الدوحة في أبريل 2016 ثم فيينا ثم الجزائر في سبتمبر، وبعد ذلك إسطنبول وموسكو في أكتوبر، واجتماع آخر مقرر له أن يكون في 30 نوفمبر في فيينا – يبدو أن جمع الموافقة من كل الدول المنتجة أمرًا مستحيلًا، وفي الوقت الذي تضغط فيه السعودية لخفض الإنتاج من الدول البعيدة مثل روسيا وفينزويلا ونيجريا وموسكو، أهملت التقارب مع دول الجوار وخاصة مع الدول التى يوجد معهم عداوة طائفية مثل العراق وإيران، وكذلك ينقصها استراتيجية سوقية وتعاونية واضحة مع الدول المنتجة والأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
وتأمل السعودية، والتى تعتبر عضو في منظمة “أوبك”، أن خفض الإنتاج سيساعد في استقرار أو رفع سعر البترول، ولكن في الوقت الذي يصل إنتاج دول منظمة “أوبك” إلى حوالي 40% من نسبة إمداد البترول العالمي وتستهلك أقل من 20%، فإن الدول الأعضاء في المنظمة يقبلوا بأسعار السوق بدلاً من فرضها.
ويتم تحديد سعر البترول بمعيارين؛ أولهما وسطاء غرب تكساس ويتم استخدامه غالبًا في أمريكا، ومعيار “برنت” ويتم استخدامه في باقي العالم، ولكن لا تمر كل إمدادات الغاز والبترول من خلال نفس المعايير؛ حيث يباع النفط الخام بطريقة مباشرة بين الدول وشركات البترول الوطنية الخاصة بهم، ومصافي البترول كالبيوت التجارية المستقلة مثل “فيتول، جونفور”، أو شركات النفط والغاز مثل “شيل ولوك أويل”.
ويتم التفاوض على أسعار النفط الخام مباشرة بين الأطراف المتداولة وتحدد سعرها، عن طريق تخفيض الأسعار المحددة من قبل المعيارين “برنت”، والمعيار المستخدم من قبل وسطاء غرب تكساس، فقط تتم المشتقات المالية مثل العقود الآجلة للبترول من خلال تبادل السلع.
في الواقع، فإن أسعار النفط الخام العالمية تتم بمعايير “برنت” ووسطاء غرب تكساس، بغض النظر عن التغييرات في العرض والطلب، ومن الملاحظ أن الإنتاح الجديد من النفط الصخري يتم التنقيب عنها في أمريكا وكندا، وزيادة إيران للإنتاج وللتصدير بعد تخفيف العقوبات وارتفاع الإنتاج في روسيا ودول منطمة “أوبك”؛ لتعويض الانخفاض الاقتصادي وانخفاض الطلب، في الوقت الذي تواجه فيه دول الاتحاد الأوروبي مثل اليايان والصين ودول أخرى تباطؤ اقتصادي، وحتى إذا وافقت دول منظمة أوبك على تخفيض أو وقف إنتاج البترول؛ فإن ذلك لن يضمن ارتفاع سعر البترول.
ولا تعتبر أساسيات تسعير البترول في السوق معروفة بشكل مؤكد، وليس من الواضح كمية وفرة المعروض العالمي، ومع غياب الكشف الكامل والشفاف لإنتاج وتصدير البترول، فإن وكالات مثل “بلاتس” يمكنها تحديد المعايير “برنت” وغيرها، وهكذا فهي التى تحدد السعر العالمي اليومي للنفط الخام.
ولكن في “أوبك” والمنتديات الأخرى مثل منتدى الطاقة الدولى والمؤتمر العالمي للطاقة، فإن السعودية تستمر في تعريف نفسها وينظر إليها على أنها المنتج البديل والبنك المركزي لإمدادات البترول، وعلى الرغم من قيادتها – سواء حاول وزير الطاقة الجديد “خالد الفالح” أو نائب ولي العهد “محمد بن سلمان” تشجيع الإستثمار النشط في سوق البترول – فإن السعودية ترضخ لسعر السوق؛ لأن النفط الخاص بها لا يمكن تداوله بحرية في السوق المفتوحة.
بسبب فرض السعوديين قيود على المشتريين لإعادة البيع، فإنهم يصارعوا للحفاظ على كل العملاء خلال أي معاملة، وهو ما يضعهم في مأزق مع المنافسين من دول الجوار في الشرق الأوسط مثل إيران والعراق، ودول مجلس التعاون الخليجي، مثل الكويت والإمارات، والدول المصدرة الأخرى وكذلك البيوت التجارية للنفط.
ومع ذلك رغم أن الدول المنتجة للبترول في الشرق الأوسط لا يمكنها التأثير على أسعار المعايير العالمية، لكنهم يستمروا في المساهمة لتقليل السعر النهائي لتصدير النفط الخام، ويتشارك في نفس وجهات التصدير؛ دول الاتحاد الأوروبي، الصين، الهند، كوريا الجنوبية واليابان، ولا تتصارع السعودية مع أمريكا وروسيا ودول منظمة “أوبك” الأخرى على حصص التصدير لهذه الدول فقط، ولكنها تتصارع أيضًا مع دول الشرق الأوسط على الأسعار المخفضة وفق لمعيار “برنت” للتسعير.
في كل مرة تعرض السعودية النفط الخام في أسواقها للتصدير بسعر مخفض على سبيل المثال 3 دولار للبرميل، تضعف إيران هذا السعر بدولار ثم تقوم العراق بتخفيض السعر عن الدولتين، وبدلاً من خفض أسعار الإنتاج، فإن هذه الدول تنتج وتصدر المزيد من النفط الخام لتعويض هذه التخفيضات.
وحاليًا تنتج السعودية ما يقرب من 10.7 مليون برميل يوميًا، حيث تتنافس مع أمريكا وروسيا على نفس مستوى الناتج، ولكنها تستهلك حوالي نصف ما تنتجه، وهذه الدول المصدرة تتشارك في السعر وحجم الاستنزاف؛ حيث تمتلئ مرافق دول الاتحاد الأوروبي، وتمتلك الصين نفط خام كاف لتطوير احتياطات الصخر الزيتي الخاص بها.
وتحولت حروب البترول في الشرق الأوسط لمستوى محلى؛ فعلى سبيل المثال باع إقليم كردستان في 2014 و2015 النفط الخام عالميًا بتخفيض أكبر مما فعلته الحكومة المركزية في بغداد بعد زحف داعش، وهذا ما حدث أيضًا في ليبيا بين المراكز الإقليمية المختلفة في طرابلس وبنى غازي ومصراته؛ حيث خفضت كل منهم عن الأخرى أسعار البيع لتجار النفط المستقلين في أوروبا، وذلك لرفع التمويل للميليشيات المحلية وللخدمات الحكومية، وهو ما خلق أسواق غير مترابطة للحكومات القومية والتي لا تستطيع فرض أسعار أعلى، وكذلك خلق المزيد من الارتباك بين منافسيهم.
إذا استمرت السعودية في استراتيجية “العين بالعين” مع دول مثل إيران والعراق، وفشلت في توفير استراتيجية موحدة للدول المنتجة للبترول في مجلس التعاون الخليجيي؛ فإنها تخاطر بالنظر إليها ليس كعامل استقرار للسعر، ولكن كمصدر للتقلبات في السوق العالمية، ويمكن للقيادة السعودية بدلاً من ذلك أن تقابل البرغماتية الإيرانية والعراقية لتنسيق الإنتاج والتسويق ولتجنب المزيد من التقلبات.
توحيد مواقف التصدير بين دول مجلس التعاون الخليجي يمكنه أن يخلق لاعب سوقي أكبر، والذي سيعطي هذه الدول نفوذًا للضغط على المنتجين الآخرين، ويمكن للسعودية أيضًا أن تستخدم معيار دبي للتسعير لاستعادة القيادة السعرية، والاستقلالية من وكالات التسعير وتجنب فوضى الدول المصدرة للنفط.