سمعوه ولم يصدقوه .. خطاب السبهان في لبنان بضاعة منتهية الصلاحية و السعودية كذلك.

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1502
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

«المملكة العربية السعودية ودول الخليج لا تنحاز إلى اي مرشح رئاسي في لبنان على حساب مرشح آخر، وتقف على مسافة واحدة من كل الأطراف، ولا تتدخل في الشأن الداخلي السيادي للبنان»… كلمات رددها وزير الدولة للشؤون الخليجية ثامر السبهان على مسامع المسؤولين اللبنانيين في بيروت قبل أيام من موعد جلسة الانتخاب الرئاسية، كل من استمع اليه لم يصدق حرفا واحدا مما تقدم؟ ووصفها البعض «بالبضاعة المنتهية الصلاحية» التي تحاول الرياض بيعها في سوق لم يعد يتوافر فيه «الزبائن»… لكن تبقى الاسئلة مفتوحة لمعرفة اسباب هذه الاستفاقة السعودية المتأخرة؟ وعما يمكن ان تحدثه زيارة الوزير السعودي الى بيروت؟
عمليا لا شيء، تقول اوساط في 8 آذار، الاتجاه الى انتخاب العماد عون ثبت الخلل الاقليمي لمصلحة المحور الايراني، واعادة التوازن الى المشهد اللبناني عشية الانتخاب الرئاسية من خلال هذه الزيارة لن يترك اي اثر جدي… الزيارة تشكل تطوراً ديبلوماسياً لجهة الحضور السعودي في بيروت بعد اتخاذ المملكة قرارها الشهير بالابتعاد عن الشؤون اللبنانية وسحب الهبات المالية، الموفد السعودي ابلغ من التقاهم انه لم يأت لاحداث اي تغيير في موقف رئيس تيار المستقبل الذي نال الرضى السعودي «مواربة» قبل الاعلان عن موقفه العلني، وهنا يصبح السؤال حول دعم المملكة لوصول عون الى قصر بعبدا من عدمه في غير مكانه لان الجولة جاءت بعد الموقف الرسمي للحريري وليس قبله، وهذا توقيت مقصود ومدروس لان الرياض لا تريد ان يسجل انتخاب عون خسارة في سجلها اللبناني، اوحت انه قرار شخصي يعود له، ولذلك تستمر في الترويج لمعادلة ترك الحرية للرئيس الحريري مع تحمله شخصيا للنتائج السلبية…
لكن ما يفعله السبهان، المسبوق بصيته السيئ، وهو السفير المطرود من العراق، يمارس نوعاً من «الانتهازية» السياسية التي تبرع بها المملكة، التغطية «الفولكلورية» لخيار الرئيس الحريري ترشيح الجنرال عون، لن تحول الخسارة الى ربح تؤكد الاوساط، المعادلة لا تقبل اي تأويل، بعد سنتين ونصف من العناد رضخ رئيس تيار المستقبل للامر الواقع وتبنى المرشح المدعوم من قبل حزب الله، عودته الى رئاسة الحكومة «حق» له، ولا يتنازعه عليه احد ضمن معادلة «الاقوياء» في طوائفهم، بقيت الرئاسة فارغة لان الرياض ارادت ان تمد يدها على «حصة غيرها» وعندما اقتنعت بعبثية مواجهة «طواحين الهواء» التي استنزفت حلفاءها افرجت عن الاستحقاق الرئاسي…
اما ما يجدر التوقف عنده مليا، فهي الاجواء المسربة عن لقاءات الوزير السعودي في بيروت، والتي حملت في طياتها تأكيدات أن المملكة لم ترسل السبهان لمباركة انتخاب رئيس تكتل التغيير والاصلاح، ولا لتسجيل موقف من الملف الرئاسي، بل هي لإبلاغ حلفائها والقيادات اللبنانية أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج لا تزال مهتمة بلبنان، وغير صحيح إنها أدارت له ظهرها؟! ويبقى السؤال كيف سيترجم هذا الامر على ارض الواقع؟
في رأي تلك الاوساط، لا ترجمة عملية لهذا الكلام، السعودية لم تخرج بإرادتها من دائرة النفوذ على الساحة اللبنانية، بل اجبرت على الانكفاء بعد ان اكتشفت متأخرة انها تستثمر في المكان الخاطىء، وبأدوات غير مؤهلة لمواجهة حزب الله، حدود عودتها مرسومة بواقع محدودية القدرة على الفعل والتأثير بمجريات الاحداث، «وظيفة» لبنان الاقليمية حسمها الحزب لمصلحة محور المقاومة، دفع ثمنها دماء غزيرة على الحدود، وفي الداخل السوري، البيانات او «الصراخ العالي» من قبل حلفاء السعودية في بيروت لم تؤد الى تغيير الوقائع بعد ان تمكن الحزب من قطع «الماء والهواء» عن وكلاء الرياض الذين حاولوا تحويل لبنان الى منطلق لاسقاط النظام السوري، ولن يتغير شيء مع انتخاب الرئيس العتيد وتشكيل حكومة جديدة…
ضمن التوازنات القائمة لا تستطيع السعودية الا رفد الحريري بجرعة دعم لمقارعة الذين ينافسونه على تياره السياسي في الساحة السنية، يستطيع رئيس تيار المستقبل استغلال الزيارة لترويض الرئيس فؤاد السنيورة والحد من تطلعاته الشخصية داخل «التيار الازرق»، ويستطيع ايضا لجم اندفاعة الوزير «المتمرد» اشرف ريفي وتحجيم دوره، طبعا يحتاج في معركته هذه الى اموال لا تزال محجوبة عنه، لكنه لا يستطيع الذهاب الى ابعد من ذلك لان حدود الدور السعودي على الساحة اللبنانية يرسمها حزب الله، ووصول الجنرال عون الى بعبدا ليس الا تظهيرا لهذه المعادلة…
وفي هذا السياق، تعرف المملكة ان عودة الرئيس الحريري الى رئاسة الحكومة المقبلة ليس انتصارا يمكن ان يتم تسييله الى افعال على الساحة اللبنانية بحسب الاوساط، الرجل «تجرع سم» المقايضة الرئاسية، لانه خسر كل معاركه الرئيسية والثانوية مع حزب الله في الداخل وفي سوريا، تفاهم مع الجنرال عون على الحفاظ على الطائف، واجراء انتخابات نيابية، بقانون يناسبه، واتفق معه على عناوين اخرى تتعلق ببناء الدولة، وكل تلك العناوين «البراقة» المتوقع ان تبقى حبرا على ورق بفعل نظام المحاصصة وتقاسم المغانم في دولة مريضة غير قابلة للعلاج، هي معارك في «الزواريب الضيقة»، يعرف الحريري انه غير قادر على تجاوزها، سلاح المقاومة وقتال حزب الله في سوريا ملفان يتجاوزان حدود قدرته على معالجتهما، السيد نصرالله قطع الطريق على اي استنتاجات مغلوطة، عندما قال في خطابه الاخير «لن نعود من سوريا الا عندما ننتصر»، كانت «رسالة» واضحة للمعنيين في الداخل والخارج، انه ملف منفصل عن الرئاسة والحكومة والبيان الوزاري وكل ما يرتبط بصلة باليوميات اللبنانية… «ونقطة على اول السطر»…
وامام هذه المعطيات، سيكون الرئيس في العهد الجديد، امام تحدي اعادة «الألق» إلى الدور المسيحي في لبنان، ليس مطلوبا من الجنرال عون اجتراح المعجزات في السياسة الخارجية، «لعبة المحاور» في لبنان مضبوطة وفق قواعد خاصة لا شأن لرئيس الجمهورية بها، صلاحياته محددة ومحدودة، في الداخل لا تواجهه مهمة صعبة للجمع بين تناقضات تحالفاته وحلفائه، «خطوط التماس» بين تيار المستقبل وحزب الله مرسومة بدقة ولن تتغير في مطلق الاحوال، الحوار الثنائي سيستمر، ستتغير عناوينه الداخلية بما يتلاءم مع انطلاقة سليمة للعهد الجديد، في المقابل لا تماس بين حزب الله والقوات اللبنانية، ليس هناك «ملعب مشترك» بين الطرفين، ولا يحتاجان الى الرئيس كي يؤدي دور الحكم بينهما… «الجنرال» سيكون امام تحدي ادراك الحدود التي ستصل اليها محاولاته لنقل الشعارات الى وقائع، شعارات ترتبط بمحاربة الفساد واستعادة هيبة الدولة، سيكون في مواجهة جدية مع النظام الطائفي المتجذر في «اللعبة» السياسية اللبنانية… اما دور لبنان في الاقليم فيحدده من يساهم على الارض في رسم معالم خرائط المنطقة، انها وقائع لا يمكن ان تغيرها «جولات دبلوماسية استعراضية» لن تعيد الالق الى دور المملكة المستنزفة بحروب خاسرة ورهانات «عبثية»…