عصر آل سعود الاستخرائي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 810
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

حقا قد مَن الله سبحانه على آل سعود بالاستخراء مناً عظيما، وصدق سلمان حين قالها، وظن الكثير من الناس بأن سلمان كان يعربد ويهجر!!! ورجح البعض بأن هذا مبلغه من العلم، ولكن الكلمة خرجت بكل عفوية وبراءة، وإنها تعد بمثابة ناقوس للخطر، ينذر آل سعود من خطر محدق قد يحل بهم وبمملكتهم، وكانت تلك الكلمة كحلم صاحب البقرات السبع العجاف والسنابل اليابسات، أو كنظرة فرعون حين اقترب من البحر عند مطاردته لبني إسرائيل حيث أنه نظر إلى البحر منفلقاً، فقال بكل غرور وعنجهية لأتباعه: ألا ترون إلى البحر قد فُزع مني وانفلق لي؟! ثم اقتحم البحر حتى أطبق عليه وعلى جنوده فكانوا من المغرقين... ولم يخطر بباله أبدا بأن هذا فخ ومصيدة قد نصبت له ولجنوده كذلك. ولكن آل سعود غفلوا عن هذه غفلة أصحاب القبور، ولم يقدموا على أي عمل لإنقاذ مملكتهم. فأصبح العهد الاستخرائي لهم ككعب أخيل، وأوصلهم إلى حافة الإفلاس الاقتصادي، وكذلك أدخلهم في أنفاق ضيقة لا يرى فيها بصيص من النور، حيث أنهم ساروا على سكة الهزائم المتتالية وعلى كل الأصعدة بدءاً بسوريا ومرورا بالعراق وانغماسا بالوحل اليمني الذي قصم ظهرهم.

وان هذا الاستخراء لقد أماط اللثام عن تلك الوجوه الكالحة، عندما كانوا يصورون أنفسهم للحمقى بأنهم حمامة للسلام، وليس تلك الخفافيش الجارحة، وكذلك يدعون بأنهم مهد التضامن العربي والإسلامي، وليس ذلك المفقس الذي يفرخ الإرهاب بكل مشتقاته، حيث كانوا يلعبون أدوار شتى ومنها شعل الحرائق وإخمادها، وذرف دموع التماسيح على المجرمين، وتأجيج الفوضى والصراعات في المنطقة، وخوض حروب مباشرة وغير مباشرة، وتدمير بنى التحتية والفوقية للدولة المجاورة وقتل الآلاف من أبنائها، وتمويل وتسليح حروبا أخرى في سورية وليبيا والعراق والفلبين ونيجيريا والسودان والبحرين.

وبعد عزل الأمير مقرن من ولاية العهد، بدا عصر الاستخراء رويدا رويدا، وأضحت المملكة في حيص بيص من أمرها، فسلمت زمام الأمور إلى شيخ هرم فاقد للوعي ومصاب بسبعين داء، فأدخل آل سعود في مآزق لا يحمد عقباها، وأدخلهم في حرب مباشرة مع جار مسالم لهم كاليمن الذي هو غني في فقره وعجيب في صموده وقوته، وقد وصف الله عز وجل رجاله من قبل بأنهم (أولو قوة وأولوا بأسِ شديد).
فعلى بقية آل سعود وخاصة المحاطين بـ(الحكم) أن يقوموا مثنى وثلاث ورباع ويتفكروا بصاحبهم وأن لا يضعوا كل بيضهم في سلته، ولا يصدقوا مقولة (عنزة ولو طارت) وكذلك عليهم الرجوع إلى لغة المستقبل، لكي يدركوا هول الكارثة التي ستحل بهم بسبب (رجل خرفان يخطط، والآخر مجنون يطبق).

وقد نجح سلمان في خداعهم، وخداع الرأي العام كذلك، بواسطة وزير حربه وعنترياته محمد بن سلمان، ووزير زهايمره واستخراءه عادل الجبير، وغلامه الزنجي أحمد عسيري، وحفيد أبي الرغال عبد ربه منصور هادي، بأن الحرب على اليمن ستكون كغزوة صدام للكويت، والتي لم تأخذ من وقته إلا سويعات، أو كغزوة أمريكا للعراق والتي كانت مدتها 13 يوما؟!! وان هذه الحرب التي سيخوضونها ستكون كذلك وستكون مجرد نزهة، ولا تتجاوز مدتها بضعة أيام؟! وهذه الأيام ستكون كأيام شهر العسل!!! لكن الرياح لا تجري بما تشتهي السفن؟ وتحولت أمانيهم إلى أضغاث أحلام وكوابيس مرعبة، حين أوقعا السعودية في مأزق اليمن، وهو لا يقل خطورة عن مأزق فيتنام، وإن عاصفتيهما (حزم وأختها أمل) لقد أنجبتا حربا ضروس على حدودهم الجنوبية، وحروب كر وفر داخل الأراضي اليمنية، وحرب تفجيرات واغتيالات داخل عدن وحضرة موت؟! وإذا استعادوا الشرعية لليمن على سبيل المثال، فعليهما أن ينتقلا إلى مأزق آخر، وهو مواجهة حروب عصابات شرسة حامية الوطيس من قبل أنصار الله، وأتباع علي عبد الله صالح، والقبائل المتحالفة معهما، لأنهم يعتبرون وجودهم احتلال، والاحتلال يستدعي المقاومة والطرد.
فالحرب في اليمن خرجت من إرادة آل سعود وشكلت لهم صداعا مزمن، ليس بسبب الخسائر المالية والبشرية المتفاقمة التي تسببت بها، وإنما أيضاً على صعيد سمعتهم ومكانتهم العالمية، واحتمالات تعرضهم لملاحقات قانونية بتهم جرائم الحرب. لأنهم استخدموا بعدوانهم هذا كل ما في جعبتهم، وفرضوا عليه حصار تجويعي ظالم لكي يخضعوه، واستقدموا كل مصاصي الدماء، وشواذ الأفاق من البلاك ووتر والداين جروب والجنجويد وغيرهم، من هذه العصابات الإجرامية، ليدمروا بهم اليمن ويقتلوا أبناء شعبه.

إن سلمان وأبنه لم يذهبا نحو معالجة المشكلة مع اليمن، ويبحثا عن مخرج مشرف، بل اختارا الهروب إلى الأمام، ودخلا مع إيران بحرب سجال، وصلت ذروتها إلى تكفير وإخراج 80 مليون مسلم إيراني من الإسلام، وقطعوا علاقاتهما الدبلوماسية معها، على خلفية الاعتداءات التي تعرضت لها سفارتهم وقنصليتهم في إيران، احتجاجاً على إعدام الزعيم الشيعي آية الله نمر باقر النمر، وبدأوا بحملتهم الأشهر ضد حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي، وأنصار الله والمؤتمر الشعبي اليمنيين، بتصنيفهم منظمات إرهابية، وحملوا على كل من يؤيدهم في العالم العربي.

وقد قاما بضخ أكثر من 14،000،000 برميل يوميا واغرقا الأسواق العالمية بالنفط، وجعلا سعر برميل النفط موازي لسعر برميل الماء الغير صالح للشرب، حتى وصل الأمر بهم إلى تجميد وإلغاء المشاريع المهمة والإستراتيجية، وبيع سندات مالية، وإقدام على طلب القروض من صندوق النقد الدولي والبنك المركزي، كما طالب مفتيهم الأعظم عبد العزيز آل الشيخ فقراء الشعب بجمع تبرعات وفتات وإرسالها لساحات القتال كمعونات وتبرعات للجيوش التي تخوض الحرب مع اليمن، وقسماً منها يرسل للمنظمات الإرهابية في سورية والعراق وليبيا ونيجيريا والفلبين وأفغانستان وباكستان، والقسم الأخير يرسل لمدارسهم الراديكالية المنتشرة في أصقاع القارات الست.

وها هم الأمريكيين حلفاء وحماة الأمس قد بدأوا يحدون أسنانهم دون رحمة، ويبحثون في أرشيفهم بحثا عن هفوات وسقطات للسعودية. وقد قام الكونغرس أخيرا بالمصادقة على قانون ملاحقتها لضلوعها في هجمات 11 سبتمبر، وكذلك بدأوا يلوحون بتنفيذ مخططهم لكي يستولوا على 750 مليار دولار من استثماراتها؟ ومن بينها 119 مليار دولار على شكل سندات للخزينة الأمريكية، وعلاوة على هذه المليارات ستضطر المملكة لدفع مبالغ أخرى وأكثر منها بكثير، وقد تصل إلى 3.3 ترليون دولار، ولعل الاستيلاء على هذه الأموال هو الهدف الأساسي لهذا القانون، لأن المملكة كانت بالنسبة لهم بقرة حلوب، ومحطة وقود، وجندي مشاكس يمكن توظيفه بفاعلية لإشعال الحروب، والآن انتهت هذه المصلحة، وأصبحوا اليوم يطالبون بمقاضاتها ومطالبتها بدفع تكاليف حروبهم، والتي جاءت كرد فعل على تلك الهجمات. وكذلك يطالبونها بتعويضات مالية لأسر الضحايا الذين ذهبوا بسبب حماقة المملكة وطيش سياساتها.

وانتقد رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة للتحقيق في هجمات 11 سبتمبر السيناتور بوب غراهام، قائلا: (تعهد جورج بوش الابن بالذهاب إلى أقصى الأرض لمحاسبة المتورطين في هجمات 11 سبتمبر لكنه ذهب إلى العراق بدلاً من السعودية، المتهمة بالضلوع في الأحداث التي ضربت نيويورك وواشنطن).

وقد توعدها دونالد ترامب في أحد خطاباته، حين قال: (متى ما جف ضرع هذه البقرة ولم يعد يعطي الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا بذبحها أو نساعد مجموعة أخرى على ذبحها وهذه حقيقة يعرفها أصدقاء أمريكا وعلى رأسهم آل سعود).

وهذا ما دفع الدبلوماسية الأولى في الوزارة الخارجية الأمريكية (فرح باندث) حين هددت السعودية وقالت: (أن السعودية إن لم تتوقف عن ما تفعله الآن، يجب أن تخضع لعقوبات دبلوماسية واقتصادية وثقافية).

وهذا القانون سوف يمنح الفرصة إلى ملايين من ضحايا الإرهاب في العالم خصوصا في العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان وفرنسا وبلجيكا والفلبين والجزائر، ويسمح لهم في رفع الدعاوى في طلب التعويض من السعودية باعتبارها الراعي الأول للتطرف والإرهاب والقتل والدمار، وهي من يدعم الفتنة والفكر التكفيري.

إن ما يفعله سلمان حاليا هو ديكتاتورية عمياء عرجاء صماء بحد ذاتها. وأنه يتصرف تحت ضغوط الأزمات، التي أقحم نفسه فيها، وهو يعرف أنه أدخل نفسه في ورطة، ولا يجد سبيل للخروج منها، وبات يغضب ويثور في وجه كل من يقول له (أخطأت)، وأصبحت لديه حساسية شديدة من سماع هذه الكلمة.

فعلى آل سعود أن لا يغرقوا في بحر التفاؤل، وإطلاق التنبؤات بالتوفيق والنجاح لسياسة سلمان وعواصفه الطائشة، وعليهم أن يقفزوا من القارب الغارق لكي لا يغرقوا جميعا، وكذلك عليهم أن ينزلوا من الشجرة ولا يبقوا في موضع المتفرج، بل يستوجب عليهم أن يقوموا بعزل سلمان وأبنه وبأسرع وقت ممكن، ولو باستخدام القوة المفرطة، وإلا سوف يهوون معه إلى الهاوية، وسوء المصير.

فالمملكة أصبحت في العهد الاستخرائي كالنعجة العرجاء التي تركها القطيع وحيدة وسط مجموعة من الذئاب، فتركيا تحالفت مع روسيا وإيران، وتغازل الحكومة السورية حاليا، والإمارات تتقاسم وتتنافس معها في النفوذ، وقطر تتحاور مع إيران، ومصر والأردن لا يتكلمان إلا عند وصول المساعدات، وسلطنة عمان ولبنان نأتا بنفسهنا، والمغرب مشغولة بقضية الصحراء الغربية، والصومال مصدومة من بسط نفوذ الشباب والقرود على مزارع الموز، وباكستان لم تدعمها إلا بالبيانات الخاوية، والعراق وسوريا وليبيا يعيشون تحت رحمة خفافيش المملكة وثعابيها، وتونس والجزائر وموريتانية خارج التغطية.

حقا أنه عهد الاستخراء، وما بعده استخراء، فهل فهم آل سعود المغزى، أو ينتظرون وقوع الكارثة... 

مع تحيات رئيس مركز الحرمين للإعلام الإسلامي