عورات آل سعود المستورة “ج4” (الانقلاب الأول)

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2004
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

باسل نوفل
تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال عن دولة آل سعود الأولى وكيف انهارت على يد محمد علي باشا، وفي الجزء الثاني حكينا كيف انتهت الدولة الثانية بسبب الصراعات بين أبناء العائلة الواحدة، وكيف تسبب الغدر والخيانة في انهيار هذه الدولة، أما في الجزء الثالث فتحدثنا فيه عن الدولة الثالثة التي لا تزال قائمة، وكيف همش الملك عبد العزيز أبناء قبيلته وكذلك كيف استغل القبائل وخدعها بأساليب عديدة من أهمها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك كيف أسس دولته على نظام يحمي آل سعود من غدر القبائل من خلال ما يعرف بالحرس الوطني الذي يعتبر قوة مكافئة لقوة الجيش السعودي.
دعونا الآن ننظر لحال الدولة بعد أن فرض الملك عبد العزيز سيطرته على القبائل وبعد أن اكتشف النفط، وبات أمر توريث السلطة مطمعًا بين الكثيرين من أبنائه وأقاربه.
كان سعود هو الابن الأكبر لعبد العزيز بعد وفاة تركي – الابن الأكبر- عام “1919”، وهو ما دعم من مركز سعود وجعله أحد أبرز المرشحين لخلافة والده ولكنه لم يكن الوحيد بالطبع، فعلى مدار 77 عامًا عاشها الملك عبد العزيز، تزوج الملك المؤسس عددًا كبيرًا جدًّا من الزيجات، لا نستطيع أن نحصي منها سوى 29 زيجة على الأقل هي التي أنجب منها 36 ولدًا و27 بنتًا، وبالطبع سيتساءل كثيرون كيف له هذا وقد حدد الإسلام عدد الزيجات بالأربعة، فنجيبهم أن لفظ زيجات هو لفظ تستخدمه الدولة السعودية للتجميل.
ولكن الحقيقة أن الكثير منهن كن جواري وسبايا أسرهن من خلال معاركه، وهو بالطبع ما يجد مباركة واسعة من رجال الدين ومشايخ السلفية بأنه أمر جائز شرعًا، وللعلم فإن هذه العادة لم تتوقف عند حدود الأب المؤسس، بل امتدت عبر جيل الأبناء وأبناء الأبناء فلكل منهم عشرات الزوجات أو المحظيات اللاتي يجلبن من كل بقاع العالم كعبيد ولكن بصورة أكثر حداثة من خلال عقود توقع تتنازل فيها الفتيات عن جميع حقوقهن ليصبحن أشبه بالداعرات أو الجواري، ومع انتهاء العقد تخير الفتاة بين العودة أو الاستمرار في عملها، ولمن يريد البحث سيجد أن الكثير من أبناء الملك عبد العزيز قد تزوجن العشرات وأنجبن نفس الرقم، وبالطبع طالما أنه في إطار إسلامي فإنه يجوز شرعًا!!
دعونا الآن من الدعارة المقننة التي تمارس في قصور آل سعود على مر التاريخ.. ولنتحدث عن توريث الحكم في عهد عبد العزيز، فقبل أن توافي المنية الملك عبد العزيز عام 1953 عن عمر يناهز 77 عامًا، أيقن الجميع صعوبة انتزاع الملك منه، لكن لم يمنع ذلك الجميع عن محاولة البحث عن سبيل للوصول إلى الحكم عقب وفاته، وبالرغم من اختياره ابنه الأكبر سعود لولاية العهد بحضور كبار رجال الدين عام 1933م، إلا أن ذلك لم ينهِ أطماع الكثيرين في الوصول للحكم، فقد كان وقتها أبناء عبد العزيز في مهد شبابهم، وكل أم تحاول أن تبحث لابنها على دور ومنصب بين إخوانهم الـ36.
فمثلًا.. تشيرالرسائل والوثائق التابعة لوزارة الخارجية البريطانية أن محمد بن عبد العزيز الشهير بـ”أبي الشرين” قد اعترض لوالده في رسالة على تنصيب شقيقه “سعود” وليًّا للعهد، كما تشير الوثائق المؤرخة بين المملكة البريطانية وأمير الكويت المقرب من الأسرة الحاكمة في السعودية إلى تشكيكه في قدرة سعود في السيطرة على الحكم عقب وفاة والده بسبب الصراعات بين أبناء عبد العزيز على الحكم.
لم تتوقف المعارضة عند هذا الحد فقد كان من أبرز المعارضين شقيق الملك عبد العزيز “محمد بن عبد الرحمن” الذي كان يسعى لأن يفوز بولاية العهد لابنه “خالد” إلى الحد الذي وصل به إلى محاولة اغتيال سعود بن عبد العزيز مرتين عامي 1927 و1930 وفي الأخيرة أخطأ الهدف ومات أحد الخادمين بدلًا من سعود!! وقد حاول الملك عبد العزيز أن يتحايل على الخلاف بتزويج إحدى بنات ابنه “فيصل” لخالد لكن ذلك لم يجدِ.
ازدادت مطامع السلطة، إلى الحد الذي توقع فيه الكثيرون أن يقوم الوالد بالتنازل عن الحكم لصالح ابنه الأكبر، لكن ذلك لم يحدث، وقام الأب المؤسس بدعوة جميع أبنائه وأبناء آل سعود عام 1934م لتجديد البيعة لابنه كولي للعهد كي يقطع الطريق على أي محاولة انقلابية ضده في المستقبل، ولكن هذا لم يمنع شقيقه محمد وابنه خالد ومجموعة من الحانقين من مغادرة الرياض إلى الحجاز للتهرب من المبايعة، وفي خطوة ذكية قام محمد بن عبد الرحمن بتزويج ابنه خالد من ابنة عبد الله آل الشيخ الذي يملك مكانة دينية واسعة هناك، فما كان من الملك عبد العزيز إلا أن منح عبد الله آل الشيخ رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لترضيته وكسبه في صفه، كما استجاب لطلبه بحصر برامج الإذاعة في الأخبار والقرآن الكريم فقط!! ليتبين هنا دور الدين والمشايخ في السيطرة على الحكم في السعودية!!
واستمرارًا في محاولات ترضية شقيقه، قام عبد العزيز بعد ذلك بإرسال آلاف الريالات إليه لشراء صمته، لكن كل هذه المحاولات لم تجدِ نفعًا، حتى نشر خبر في جريدة أم القرى يفيد بوفاة خالد بن محمد بن عبد الرحمن في رحلة صيد، وهو حادث مجهول يرجح أن يكون اغتيالًا بعد أن استنفذ عبد العزيز كل السبل الممكنة لإقناع شقيقه وابنه بمبايعة سعود كولي للعهد.
في هذه الأثناء كان صراع آخر يتم في الخفاء بين سعود “ولي العهد” الذي خاض الكثير من المعارك وله صلات عشائرية قوية بقبائل نجد، وشقيقه فيصل الذي حكم الحجاز وكان له اتصالات وأسفار عديدة للإنجليز والدول الأجنبية منذ صغر سنه، لذلك ظهر فيصل بمظهر أكثر ذكاءً وحنكةً سياسيةً من شقيقه الذي سيطر عليه الجانب القبلي.
كان التنافس كبيرًا بين الشقيقين؛ فعلى سبيل المثال كان سعود يعاني من مرض مزمن في العين، لكنه كان يخاف أن يسافر للعلاج في الخارج خوفًا من أن يستغل فيصل الفرصة ويقنع والده بالتنازل عن الحكم له كما تشير إحدى الوثائق البريطانية المؤرخة بتاريخ 6 نوفمبر عام 1934م.
كان سعود وفيصل هما المنافسان الأقوى على خلافة والديهما، ولكن بالطبع كان هناك منافسون كثر بين الأخوة، فهناك منصور الذي ولد لجارية أرمنية وتولى منصب وزارة الدفاع، وكان هو الوحيد الذي يجرؤ على مخالفة أوامر والده، فكان يرفض قتل من يعترضون موكب والده كما جرى العرف وقتها، وما زاده قوة هو دعم الدول الغربية له، وكانت بريطانيا تدعم أن يقود منصور انقلابًا للسيطرة على الحكم عقب وفاة والده كما ورد في الوثائق الإنجليزية، لكنه مرض وتوفي في الخارج عام 1955م، وسط شبهات أثيرت حول اغتياله!!
إضافة إلى منصور كان هناك ناصر ومحمد المعروف باسم “أبي الشرين” لكن فضائحمها الجنسية وإدمانهما للخمور تسببا في إقصائهما من الحكم، ويذكر أن الملك عبد العزيز قام بجلد ابنه “أبي الشرين” أمام العامة بسبب كثرة تناوله للخمور.
لكن وبرغم كل ذلك كان الأقرب للحكم سعود وفيصل، وقد استطاع الملك الداهية أن يتنبه لخطورة الموقف مبكرًا، فحاول إزالة الاحتقان بطرق عديدة، فقام بتزويج فهد ابن سعود إلى ابنة فيصل في مايو عام 1943م، لكن ذلك لم يجدِ نفعًا!! ويروى أيضًا أن الملك عبد العزيز قد دعا ذات مرة الأخين وجعلهما يقسمان على دعم بعضهما البعض، حتى أن الملك العجوز لم ينسى أن يوصيهما ببعضهما البعض وهو في سكرات موته!! لكن بمجرد تولي سعود الحكم عام 1953 بدأت الخلافات تتصاعد بين الأخين وأهمها:
1- اعتماد سعود على الحكم بواسطة مستشاريه، من خلال الحكم المباشر وتهميش مجلس الوزراء والوزراء أيضًا وذلك لأن فيصل “ولي العهد” كان رئيسًا للوزراء وقتها.
2- بدأ سعود يعتمد على شخصيات من خارج أمراء آل سعود ويسند لها مناصب هامة، وهو ما سبب حالة من الغضب داخل الأسرة الحاكمة، مثلما فعل عندما قام بتعيين محمد سرور الصبان وزيرًا للمالية، وكذلك ضغطه لإجبار وزير المواصلات طلال على الاستقالة.
3- بدأ سعود في تهميش إخوته وتعيين أبنائه في مناصب قيادية وحساسة بدلًا منهم، مثل إقالة الأمير مشعل من وزارة الدفاع عام 1957 وتعيين ابنه فهد بدلًا منه، وكذلك ابنه مساعد للحرس الملكي، وخالد للحرس الوطني “الجيش الأبيض سابقًا”، وسعد للحرس الخاص.
4- دخول الملك سعود في أزمة مع الإنجليز بسبب واحة البريمي التي كان السعوديون يعتبرونها أرضًا لهم، لكن الإنجليز الذين كانوا متواجدين في سواحل عمان والإمارات قاموا بالاستيلاء عليها وطرد الأمير السعودي منها ظنًّا منهم أنها غنية بالنفط، وبالرغم من تصعيد سعود للقضية على المستوى العام إلا أنه فشل في استردادها، فيما كان فيصل يفضل التهدئة.
5- فشله في إدارة العلاقات الخارجية، ويبدو ذلك واضحًا مع محاولة سعود اغتيال عبد الناصر، وهو ما قام عبد الناصر بفضحه على الهواء عام 1958 مخرجًا الشيكات التي حررها الملك سعود لاغتياله بقيمة 1.9 مليون جنيه إسترليني.
6- تدهور الأوضاع الداخلية والاقتصادية في البلاد بسبب سوء الإدارة.

الانقلاب:
في مارس عام 1958، اجتمع مجموعة من إخوة الملك في قصر الأمير طلال بن عبد العزيز “والد رجل الأعمال الشهير الوليد بن طلال”، ووضع الأخير خطة لإعادة السيطرة على البلاد من حالة الفوضى، وقابل طلال سعود وطرح الأمر عليه، إلا أن الأخير رفض الاتهامات الموجهة إليه وعنف شقيقه.
اجتمع الأمراء بشقيقهم فيصل وكذلك عمهم عبد الله بن عبد الرحمن، ووضعوا خطة تقوم على وضع دستور وإحياء مجلس الشورى ووضع مجلس لإدارة المقاطعات، وكذلك إعادة الأمراء في وزارة جديدة يرأسها فيصل.
تحت ضغوط قوية أجبر الملك سعود على التنازل مصدرًا مرسومًا ملكيًّا يحدد فيه اختصاصات مجلس الوزراء ومهامه، وهو المرسوم الذي نزع عن الملك صلاحياته بشكل واسع ومنحها لرئاسة الوزراء برئاسة فيصل.
نجح فيصل في ترشيد نفقات الأسرة الحاكمة التي كانت من قبل في حالة إسراف كبير، ونجح في إعادة الاتزان لاقتصاد البلاد، لكن هذه القرارات أثارت العديدة من الأمراء الذين شعروا أن وضعهم المالي كان أفضل على يد سعود، كما كان لتهميش كثير منهم وعدم حصولهم على مناصب هامة دور في زيادة حالة الغضب ضد فيصل.
وكان على رأس الغاضبين الأمير طلال نفسه الذي ساعد فيصل في الحصول على هذه الصلاحيات، خاصة وأن فيصل لم ينفذ الوعود والاتفاق بإجراء إصلاحات سياسية ووضع دستور للبلاد، مما دفع طلال لتأسيس ما يعرف بـ”الأمراء الأحرار” وهو تحالف بين مجموعة من الأمراء ونخبة من المثقفين بهدف إشراك العامة من خارج الأسرة الحاكمة في أمور الحكم، وطالبوا بإعادة صلاحيات سعود القديمة، ليصدر سعود أمرًا ملكيًّا بإقالة فيصل من رئاسة الوزراء والخارجية وتشكيل وزارة جديدة يرأسها طلال، فيها مزيج من الأمراء والتكنوقراط، وكان من بين المبعدين من الوزارات شقيقيه فهد وسلطان، وفي نهاية عام 1960 أعلنت الإذاعة السعودية وضع دستور جديد للبلاد.
وقام سعود بالتقشف على طريقة فيصل لكي يثبت أنه ناجح ماليًّا، حتى إنه بدأ بنفسه، مما تسبب في غضب الكثير من الأمراء، لكن بمرور الوقت اكتشف طلال أن سعود كان متلاعبًا وبأنه لم يكن جادًا في تنفيذ مطالب الإصلاح التي طالب بها، فقدم استقالته بعد أن شعر أن شقيقيه يتلاعبان به وغادر البلاد، وللعلم ما زالت المملكة تلتف وتتحايل على وضع دستور يرضي طموحات الشعب السعودي بحجة أن دستورهم القرآن وهو أمر عبثي للغاية وخدعة يصدقها الكثيرون للأسف.
في هذه الأثناء انزوى فيصل عن الحياة السياسية ظاهريًّا، لكنه قام بإشعال غضب إخوته، وخاصة فهد وأشقاؤه “السديريون السبعة”، في الوقت الذي مرض فيه الملك سعود بقرحة في الأمعاء، ونصحه الأطباء الأمريكيون بالسفر للخارج، في خطة يصفها البعض بأنها أمريكية بغرض تسهيل الانقلاب عليه بالتعاون مع شقيقه فيصل، لكنه كان متخوفًا ورفض إسناد الحكم بشكل مؤقت إلى فيصل وقرر أن يعين مجلس وصاية مكونًا من أربع شخصيات لينوبوا عنه وقت رحيله، لكنه تراجع عن ذلك بضغط من إخوته ليوافق على منح صلاحياته لشقيقه فيصل، ومنح رئاسة الوزراء له مرة أخرى.
أثناء سفر سعود كان فيصل قد سيطر على مفاتيح الدولة وشكل وزارة جديدة، ثارت الخلافات من جديد وانتهى الأمر بوزارة متفق عليها من قبل الطرفين، يتولى سعود رئاستها اسميًّا.
في هذه الأثناء كان فيصل هو الحاكم الفعلي للبلاد، بينما قاد طلال معارضته لإخوته من الخارج وكان ضيفًا مستمرًا لإذاعة صوت القاهرة المدعومة من الرئيس المصري جمال عبد الناصر ليسحب منه جواز سفره، وعندما اندلعت الثورة اليمنية مدعومة من مصر، شعر آل سعود بالخطر الحقيقي عليهم، كان سعود مريضًا في الطائف وقتها، ليقوم فيصل بدعم من أشقائه بتشكيل وزارة جديدة دون علم سعود، مستندًا لدعم الفرع السديري من العائلة.
وبينما كان سعود يستعد للعودة من فيينا لتولي مهامه، أرسل له إخوته يطالبونه بالموافقة على أن يصبح ملكًا صوريًّا وإلا منع من العودة للبلاد، فوافق ظاهريًّا كي يتسنى له إدارة الصراع من الداخل، وعندما عاد وطالب بحقوقه واجهه فيصل بأنه قد تنازل عن صلاحياته له وفقًا لمرسوم 1960 القديم، وهي حجة ضعيفة لأن الملك سعود سحب هذا المرسوم بعد ذلك، كما أن تشكيل فيصل للوزارة الأخيرة كان غير قانوني على الإطلاق لأنه تم دون موافقة الملك، ولكن فيصل كان قد استفاد من غياب سعود الطويل عن البلاد في رحلة علاجية مقصيًا أبناء سعود وحلفاءه من الحكم، مستعينًا بعبد الله في الحرس الوطني وسلطان في الدفاع وإمارة الرياض لسلمان… إلخ، كما بايع آل الشيخ فيصل لتكون المؤسسة الدينية قد تخلت هي الأخرى عن سعود.
همش سعود.. وطلب منه التوقيع على الميزانية فرفض، ولكن رفضه لم يكن أمرًا مهمًّا، فقام سعود بمغادرة البلاد عام 1963 ليعود بعدها بخطة عسكرية لتصفية شقيقه ومعارضيه، قام بتسليح 1500 من حرسه الشخصي ووضعهم على أهبة الاستعداد، بينما قام فيصل بوضع الجيش والحرس الوطني على أهبة الاستعداد، فيما أرسل سعود رسالة لفيصل يقول فيها: (عندما يمسك عدوي بخناقي فسوف أقاتله بكل ما أوتيت من قوة). قام فيصل بدهاء بإعطاء الرسالة لأخيه “أبي الشرين”
الذي استشاط غضبًا، وذهب لسعود في قصره ورمى الورقة في وجهه، وعندما سأل بعد ذلك أبو الشرين لماذا ساند فيصل قال إنه لم يسانده لكنه كان ليفعل نفس الموقف لو أن فيصل قد أرسل مثل هذه الرسالة، لقد كان موقف أبي الشرين حاسمًا في دفع سعود للتراجع عن أي حماقة، والفضل يعود لدهاء فيصل في استثارة أبي الشرين ضد سعود.
وبإهانة بالغة وافق سعود على أن يصبح ملكًا صوريًّا لصالح فيصل، وفي خطوة مفاجئة عاد الأمراء الأحرار للرياض وطلبوا العفو من شقيقهم فيصل، ونشر بعد ذلك خبرًا مفاده أن طلال عاد وطلب العفو من فيصل الذي رفض طلبه.
وفي 14 من مارس 1964، أرسل أبناء سعود إلى عمهم فيصل يؤكدون له أنهم سيكونون الجسر الذي سيستعيد به والدهم سلطته، فسلم فيصل الرسالة إلى أبي الشرين فتصدى لهم، لكن أبناء سعود لم يفقدوا الأمل ووزعوا منشورات على المواطنين تطالبهم بإعادة الحكم لوالدهم بوصفه إمامًا للمسلمين، ليتحرك عمّا فيصل “عبد الله ومساعد” ويطالبان رجال الدين بإصدار فتوى دينية تبايع فيصل، ليتبين حجم التلاعب بالدين من جميع الأطراف، وبالفعل تم إصدار فتوى تمنح صلاحيات الحكم لفيصل مع الإبقاء على سعود ملكًا صوريًّا، لتحظى الوثيقة بمبايعة جميع الأطراف الفاعلة من وزراء وأمراء ورجال دين.
رفض سعود الموافقة على القرار قائلًا: “أنا لست الملكة إليزابيث” فما كان من فيصل إلا أن قام بعدة قرارات تقضي على ما تبقى من أنياب لسعود وهي: حل الحرس الملكي وأتباعه بالدفاع، إلغاء الديوان الملكي، تخفيض ميزانية الملك وأسرته من 170 مليون ريال إلى 24 مليون ريال.
بعد سبعة شهور على هذه الواقعة وأثناء تواجد فيصل في جدة، أشيع وجود مخطط بتفجير طائرة فيصل أثناء عودته إلى الرياض مما اضطره للعودة برًّا، دعا بعدها لاجتماع وخير الملك بين 3 خيارات: أن يتنازل طواعية، أو يطلب منه التنازل فيتنازل، أو “يقرر الشعب.. وما أدراك ما الشعب” منك التنازل!!
صمم سعود على موقفه، ليصدر بيانًا بعدها باسم الأمة يقرر خلع سعود، وطلب منه بعدها مغادرة البلاد، وأقيم تجمع من الأمراء في المطار لتوديعه، حضره فيصل وانحنى مقبلًا يد شقيقه!! ثم سافر إلى القاهرة وهاجم فيصل من إذاعة صوت العرب بالقاهرة، وبعدها بفترة سافر إلى اليونان حتى توفي هناك.
كانت هذه هي قصة الانقلاب الأول في المملكة السعودية الحديثة.. لقد كان طبيعيًّا أن يتصارع الإخوة على الحكم خاصة وأن لكل واحد منهم نسبًا مساويًا بالآخر من حيث الأب، ولكن الاختلاف كان قويًّا من ناحية نسب الأم وقبيلة الأم، وكذلك من حيث تكتلات المصالح بين الإخوة وهو ما سنكمل الحديث عنه في الأجزاء القادمة.. فانتظروها.