عورات آل سعود المستورة “ج 2” (الدولة الثانية- الخيانة والغدر)

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2149
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

بقلم: باسل نوفل
كنا قد تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال “عورات آل سعود المستورة” عن الدولة السعودية الأولى كيف تأسست وكيف سيطرت وفرضت نفسها على القبائل الأخرى مستفيدة بقوة من الدعوة الوهابية، وكيف احتمت بستار الدين لسنوات طويلة، ومحاولات آل سعود المستمرة بتصوير الدعوة الوهابية على أنها إعادة لنشر رسالة التوحيد، والذي ادعت أن كثيرًا من القبائل قد حادت عن الإسلام وبدأت البدع والخرافات ومظاهر للشرك في الانتشار!! بالرغم من أن جميع القبائل العربية كانت تدين بالإسلام قبل ظهور آل سعود بمئات السنوات وإلى يومنا هذا؟! وتحدثنا كيف استبد آل سعود وتوسعت مملكتهم إلى أن قضى على دولتهم محمد علي والي مصر لدى الدولة العثمانية فكانت نهاية دولتهم الأولى مذلة ومهينة قتل على أثرها جدهم عبد الله بن سعود بصورة مذلة وعلقت جثته في إسطنبول.
دعونا الآن نعود إلى الجزيرة العربية بعد انهيار الدولة السعودية الأولى، ولكن الأمر يحتاج إلى تركيز شديد نظرًا لتشابه الأسماء إلى حد بعيد.
بعد أن نجح إبراهيم باشا في دخول نجد وتحديدًا الدرعية موطن آل سعود الأساسي، ودمر دولتهم.. ماذا حدث بعدها؟!
اكتفى إبراهيم باشا بما حققه من نصر ورفض مطاردة آل سعود في المناطق الشرقية واكتفى بتدمير الدرعية وإعدام الكثير من المتمردين وذلك لعدة أسباب، وهي:
1- لم يكن الاستمرار في التوغل في قلب الصحراء ذا فائدة بالنسبة لمحمد علي والي مصر والذي كان يطمح لتكوين إمبراطورية ضخمة، خاصة وأنه كان يعلم أن الدولة العثمانية في الأصل سعت لتوريطه في حرب مع آل سعود لتضرب عصفورين بحجر واحد، القضاء على آل سعود وشغل محمد علي ودولته القوية بمعارك تستنزفه.
2- لم يكن النفط قد اكتشف بعد، والدخول في صراعات وملاحقة رجال القبائل سيكلفه الكثير دون مقابل، فقد كان الأمر أشبه بمطاردة أشباح بائسة في الصحراء.
3- المنطقة الوحيدة ذات الأهمية وقتها كانت منطقة الحجاز بكل ما تحتويه من مقدسات وقد نجح بالفعل في السيطرة عليها وطرد آل سعود منها.
4- تراجعت الدولة السعودية عن حدود الدول المجاورة ذات الأهمية، ولم تعد هجماتهم تسبب خطرًا على الدولة العثمانية، فقد انكمشت حدودها من ناحية العراق والأردن والحجاز واليمن، ولم يعودوا يسيطرون سوى على بضع مناطق نائية في قلب صحراء نجد وكانوا متحالفين مع قبائل الإمارات وقطر، ويستخدمون نفوذهم في إخضاع أهل مسقط والبحرين.
كان اكبر دليل اكبر دليل على ذلك حجم الحامية التي تركوها في الدرعية، لم يكن يتجاوز عددها الـ 600 جندي فقط، في ظل هذه الحالة حاول شخص يدعى مشاري بن معمر ان يوحد قبائل نجد وان يكون حليفا لمحمد علي، الذي لم يكن مهتما كما ذكرنا بالسيطرة على منطقة نجد الصحراوية القحلة، لكن مخططات مشاري بن معمر اصطدمت بمشاري بن سعود شقيق عبد الله بن سعود اخر ملوك الدولة السعودية الاولى والذي كان قد نجح في الفرار من الاسر من القوات المصرية.
سيطر ابن عمر على الدرعية واعتقل مشاري آل سعود ثم تقدم للرياض مركز آل سعود الجديد بجوار الدرعية، هرب منها حاكمها تركي بن عبد الله، وهكذا سيطر ابن عمر على نجد، ولكي يضمن استتباب حكمه أرسل للدولة العثمانية يؤكد الولاء لها، وبالطبع لم تهتم الدولة العثمانية بمن يحكم طالما أنه سيحجم نفوذ آل سعود، وكعربون ثقة أرسل ابن عمر مشاري بن سعود للقوات المصرية – بقيادة خليل أغا في عنيزة.
حصل ابن عمر على تأييد العديدين ومن بينهم تركي ابن عبد الله “من قبيلة آل سعود”، لكنه وبعد أن قام قريبه مشاري بن سعود بالتمرد على حكم ابن معمر بدأ تركي يطمع في السيطرة على الحكم، فجمع تركي بن عبد الله عددًا من رجال القبائل وأغار على حين غرة على ابن معمر في الدرعية، ثم هاجم الرياض وألقى القبض على ابن معمر، واتخذ الرياض عاصمة له لأنها أكثر تحصينًا من الدرعية التي هدم إبراهيم باشا أسوارها.
حاول تركي مبادلة ابن معمر بمشاري ابن سعود، لكن الأخير كان في قبضة العثمانيين، لكن محاولته باءت بالفشل وبموت مشاري بن سعود في السجن عام 1820 قام تركي بن عبد الله بقتل ابن مشاري بن معمر وابنه.
بعد ذلك قام زعيم قبيلة مطير فيصل الدويش بمهاجمة الرياض بمعاونة قوة عثمانية، لكن آل سعود نجحوا في الصمود هذه المرة، واستمر حصار الرياض، إلى أن أرسلت القوات العثمانية – المصرية قوة أخرى نجحت في دخول الرياض بينما هرب تركي بن عبد الله سرًّا من المدينة، وهنا قرر العثمانيون ترك حاميات لهم في المدن الكبرى في نجد من أجل قطع الطريق على آل سعود وأهل نجد للتمرد مرة أخرى، ولكن هذه الحاميات تعرضت لأعمال قتل واغتيالات طالت جنودها، حتى إن القوات المصرية– العثمانية حوصرت عدة مرات وكان العون يأتيها من مطير الدويش، استمرت الإغارات على الحاميات العثمانية بصورة مستمرة، مما دفعها لترك الرياض والانسحاب لخارج نجد، خاصة وأن طول المسافة بين أقرب حامية مصرية لنجد “في الحجاز” جعل فكرة البقاء دون هدف أو جدوى.
بعد أن نجح تركي في تحييد القوات المصرية، فطن إلى أن التوسع غربًا أو شمالًا سيثير عليه الدولة العثمانية مرة أخرى، فأخذ في التوسع شرقًا وأخضع أهالي مسقط لحكمه بالقوة وأجبرهم على دفع الضرائب له.
هنا عاد الصراع الداخلي بين الإخوة والأشقاء وبدأت المؤامرات وصراع الحكم يدب بين آل سعود كالعادة، فقتل تركي بن عبد الله على يد ابن أخته مشاري بن عبد الرحمن آل سعود، لكن لم يمض سوى 40 يومًا حتى استطاع فيصل بن تركي الانتقام لوالده والسيطرة على الحكم مرة أخرى.
في هذه الأثناء كانت الخريطة السياسية تتغير، فقد قام محمد علي بالتمرد على الدولة العثمانية، وكان يحلم بتكوين إمبراطورية ضخمة، وكان محمد علي يفضل ضمان توسعه وسيطرته على نجد كي يأمن من خلالها على منطقة الحجاز وكي يريح باله من قلاقل أهلها، مع التمتع بميزة الوصول إلى السواحل الشرقية المطلة على الخليج العربي وإيران، لكنه تعلم صعوبة التعامل مع البدو بشكل عام، الذين لا يعتمدون على المواجهة ولكن على أسلوب الكر والفر، فقرر الاعتماد على شخص يعرف طباعهم ولا يشعرون بأنه غريب عنهم، فاستمال إلى جانبه خالد بن سعود الكبير – شقيق الملك عبد الله بن سعود آخر ملوك الدولة السعودية الأولى- ليجسد ذلك حجم الغدر والصراع داخل أسرة آل سعود، فقد تحالف الأخ مع قاتل شقيقه ومدمر مملكتهم الأولى. بعد أن أنعم عليه برتبة قائم مقام مرسلًا معه قوة عسكرية بقيادة إسماعيل بك.
بعد مقاومة ضعيفة استسلم خالد بن فيصل وتم نفيه إلى القاهرة عام 1838م، وسيطر محمد علي على حكم نجد كلها من خلال خالد، لكن الأمر لم يدم طويلًا مع خسارة محمد علي الحرب وتوقيعه اتفاقية لندن 1840م، وإجباره عل الانسحاب من جميع الأراضي التي احتلها، فاضطر لسحب قواته من منطقة نجد.
بالطبع لم يدم بعدها حكم خالد بن سعود طويلًا، وثار ضده أحد أفراد عائلة آل سعود ويدعى عبد الله بن ثنيان واستولى على الحكم، ليعود بعدها فيصل بن تركي من منفاه في مصر، ويتولى الحكم مرة أخرى، وقد اختلف في طريقة الإفراج عنه فمنهم من يرى أن الأمر تم بموافقة محمد علي، ومنهم من يرى أن حفيده عباس حلمي الأول هو من قام بتهريبه.
هنا نزل فيصل عند صديقه في جبل شمر من آل رشيد “سيصبح مستقبلًا العدو الأكبر لآل سعود” وقام بمساعدته لاسترداد ملكه من عبد الله بن ثنيان.
سادت فترة من الهدوء على المملكة، تفطن فيها فيصل إلى خطورة الاصطدام بالدول الكبرى، فأقام علاقات طيبة بالدولة العثمانية ومصر، لكن الأمور تغيرت تمامًا بعد وفاة الملك فيصل عام 1865م، فقد عاد الصراع العائلي للواجهة مرة أخرى بتصارع أبنائه على الحكم، وكان طرفا الصراع ابنه عبد الله بن سعود الذي اختاره والده كولي للعهد وأخيه سعود الطامع في الحكم، وتطور الأمر إلى الحرب، فانتصر عبد الله في معركة “المثلى”، وهرب سعود إلى البحرين مصابًا، ولكنه عاد وهاجم الأحساء وسيطر عليها في معركة “جودة”، ثم التقى الاثنان في معركة “البرة”، وانهزم عبد الله ليسيطر سعود على الحكم، فقام عبد الله بترك الرياض خوفًا من شقيقه وأرسل الهدايا إلى والي العراق، وطلب معونته، فأرسل عددًا من رجال القبائل وعلى رأسهم آل صباح “الأسرة التي تحكم الكويت الآن” فاستولوا على الأحساء من المملكة السعودية، واستولوا على الساحل الشرقي بأكمله من السعودية لتتقلص مساحة الدولة بشكل كبير، وأطلقوا سراح شقيقه محمد الذي كان معتقلًا، ولكن المفاجأة هي أن الوالي العراقي لم يعيد هذه المناطق لفيصل أو لأخيه، ولكنه ضمها للدولة العثمانية وأطلق عليها اسم “متصرفية نجد”.
لم ينتهِ الصراع داخل العائلة عند هذا الحد، ولم يكتفوا بتمزق ملكهم جراء صراعاتهم الداخلية، فقد ثار أهالي الرياض على سعود، وعلى رأس الثائرين عمه عبد الله بن تركي، فخرج خارجها وحاول محاربة العثمانيين في الأحساء فهزم، ليتسلل عبد الله من الأحساء سرًّا برفقة إخوته ليستولوا على الرياض، ولكن حكمهم لم يدم إلا أربعة أشهر استطاع بعدها سعود العودة والسيطرة على الرياض، وانتقم من عمه عبد الله بن تركي وقتله، أما عبد الله فقد هرب إلى بادية قحطان.
في عام 1875 توفي سعود، فبويع شقيقه عبد الرحمن ملكًا، لكنه دخل في صراع معارك على الحكم مع شقيقه محمد، وبعد وساطات اتفقا على تولي شقيقهم الكبير عبد الله الحكم وتم ذلك، وبمرور السنوات نال المرض من عبد الله بن فيصل فاستغل أبناء سعود الوضع وثاروا عليه وسجنوه ليتولى محمد بن سعود الحكم.
استنجد عبد الله بمحمد بن رشيد حاكم دولة آل رشيد الذي تدخل لصالح عبد الله بن فيصل، وبعد نجاحه في احتلال الرياض أخذ عبد الله وعبد الرحمن “والد الملك عبد العزيز” معه إلى حائل، وعين أحد رجاله سالم بن سبهان حاكمًا عليها بدلًا من أن يعيد الحكم لعبد الله بن فيصل، واستمر الوضع على ذلك حتى مرض فيصل وطلب منه أن يسمح له بالعودة للرياض، فوافق شريطة ألا يثيروا القلاقل، لكن وبعد وفاة عبد الله بشهور قليلة قام عبد الرحمن بالاستيلاء على الرياض وقام بسجن سبهان، فجمع آل رشيد جيشه لمهاجمة الرياض، لتقوم وساطات تنتهي بإطلاق سراح سبهان على أن يترك آل رشيد لعبد الرحمن حكم الرياض.
لكن عبد الرحمن نقض عهده مرة أخرى وهاجم القصيم في معركة شهيرة اسمها “المليداء” انتصر فيها آل رشيد وقتل فيها 3000 مقاتل من أهل القصيم، فكان عدد هائل بالنسبة لتعداد البدو وقتها، حتى أن كل بيت في القصيم كان له نصيب من القتلى، فضجت القبائل بآل سعود وسرعان ما قام آل رشيد بمهاجمة المناطق التابعة لعبد الرحمن ليقضي على الدولة السعودية الثانية عام 1891م، ويفر عبد الرحمن بن سعود إلى الكويت ويلجأ إلى آل صباح “حكام الكويت” الذين أكرموه، وعبد الرحمن بن سعود هو والد الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة التي تحكم الآن وهو جد جميع ملوك السعودية إلى يومنا هذا.
من خلال الدولة السعودية الثانية نخرج ببعض الاستنتاجات:
– اتسمت هذه المرحلة بالصراعات الداخلية بين أفراد عائلة آل سعود التي أدت إلى انهيار الدولة السعودية الثانية، وكانت الخيانة والغدر بين الأشقاء والأقارب أمرًا اعتياديًّا.
– أيقن حكام آل سعود أنه لا جدوى من محاولة التوسع باتجاه الشرق والشمال، فليس لديهم القوة الكافية لمواجهة الدول الكبرى، وكانوا يعتمدون على الاستنزاف والهروب في أعماق الصحراء وأساليب الإغارة ليلًا.
– سببت المنطقة صداعًا مستمرًا للدولة العثمانية وكانت أحد أسباب ضعفها.
– أيقن حكام آل سعود أن الاقتتال الداخلي لن يجلب عليهم سوى الويل والمذلة وهو ما تداركونه نوعًا ما في الدولة الثالثة.
– استمر تعاون آل سعود مع المملكة البريطانية في وجه الدولة العثمانية من خلال الاتصال المستمر مع الكولونيل البريطاني لويس بيلي، وهو التعاون الوثيق منذ الدولة الأولى وحتى الثانية والثالثة أيضًا، وهي الحقيقة التي تحاول السعودية حجبها باستمرار أو تهميشها على أقل تقدير.
– كان لحكام الكويت آل صباح دور كبير في دعم آل سعود للعودة للحكم مرة أخرى باستضافتهم عبد الرحمن والد عبد العزيز المؤسس، وهو الجميل الذي لم تنساه السعودية إلى يومنا هذا واستضافت آل صباح عقب احتلال صدام حسين للكويت عام 1990م ردًّا للجميل.
في هذا المقال انتهينا من سرد تاريخ الخيانة والغدر بين أفراد العائلة الواحدة والذي اتسمت به الدولة السعودية الثانية، وهو التاريخ الذي تسعى السعودية دائمًا لحجبه عن شعبها، في الأجزاء القادمة سنتحدث عن الدولة الثالثة “الحديثة” وعن عوراتها المستترة… فتابعونا.