د. مضاوي الرشيد: السعودية حاولت سعودة لبنان لكنها فشلت تدبّر لعبة خطرة في اليمن

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 540
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

باريس ـ المشاهد السياسي: مضاوي الرشيد سعودية تعمل في كنغز كوليج بدرجة أستاذة، وهي باحثة مرموقة وكاتبة صحفية، وناشطة ذات قيمة دولية عالية في مجال الانتصار لحقوق الإنسان والشعوب. تعيش الرشيد في لندن منذ مدة طويلة، حيث تعمل في إحدى أرقى مؤسّساتها الأكاديمية، غير أنها لم تتوقّف عن الخوض في الشأن السعودي، أملاً في التغيير نحو الأحسن، والتطوير الذي تقتضيه سنّة الحياة، إلا أنها يئست على ما يبدو من إمكانية حدوث تحوّل في بلادها يتوافق وتطلّعات أغلبية السعوديين في الاصلاح، والانتقال إلى الحاضر، مما حدا بها إلى زيادة جرعة مشاركتها في البحث عن الممكن، من أجل وضع جديد في المملكة. ومع أن المعارضة السعودية في الداخل والخارج تصطبغ بالصبغة الإسلامية، إلا أن مضاوي الرشيد، التي تعدّ واحدة من قلائل النساء العربيات اللائي يشار إليهن بالبنان، لمرتبتها العلمية ومكانتها الدولية المتخصّصة بمجال البحث الأكاديمي، تعمل وزميلتها العالمة المرموقة الأخرى الأكاديمية مي يماني، الباحثة في المعهد الملكي للدراسات السياسية (تشتام هاوس)، بعيداً عن هوس المشروع الإسلامي الذي يناقض حقيقة الدين الحنيف في الدعوة إلى التعايش مع الآخر، كما أن المرأتين تشكّلان ظاهرة فريدة في عدم التعاون مع مخابرات الأنظمة الأخرى، وهي الصفة التي تٌلقي بظلالها على عدد غير قليل من المنظّمات العربية، التي تحمل يافطة الدفاع عن حقوق الإنسان أو السائرة على الطريق نفسها. وقد أجرت (المشاهد السياسي) لقاءين من قبل مع الباحثة السعودية، إلا أن مستجدات الأحداث في المملكة من جهة، والموقف الحكومي السعودي المثير للجدل من العدوان الإسرائيلي على لبنان ومن المقاومة اللبنانية من جهة ثانية، كانا فحوى اللقاء التالي معها في باريس حيث تمضي إجازة الصيف:

> على الرغم من ظهور أحداث أمنيّة بين فترة وأخرى في المملكة، إلاّ أن هناك هدوءاً ظاهراً في الوضع العام، فهل يعني ذلك أن السعوديين سلّموا أمورهم للحكم، لأن الحكم أقوى منهم، أم أنها مسألة هدنة، أم ماذا؟

< السعودية تمرّ بحالة شلل تامة على الصعيد الاجتماعي والسياسي، سببها الأول والأخير هو النظام الذي عطّل الحراك الفكري، والمطالب السياسية التي صدرت عن جهات مختلفة في الداخل. استطاع النظام بقوّته الشرائية الجديدة، أن يخلق معارضة موالية. تختص هذه المعارضة بمهاجمة الولايات المتحدة أو مهاجمة ما تسمّيه ببطانة الحكم، لكنها معارضة قاصرة ما زالت تدور في فلك النظام. المشكلة في السعودية أن لكل أمير بوقه وجوقته، وبما أن هناك تنافساً بين الأمراء، نجد أن هذا ينعكس على الأبواق التي تعتاش من خير الأمراء، فيظنّ البعض أننا هنا بصدد حراك سياسي حقيقي مستقل، ولكننا في الواقع نواجه صراع الحلقات الاجتماعية والفكرية المرتبطة بهذا الأمير أو ذاك. وهذا بالفعل ما حصل عندما تصادم التيار الصحووي مع التيار الليبرالي، في مراكز الحوار الفكري أو في الصحافة أو على الإنترنت. لكل من هذين التيارين أمراء يرعونه ويستطيعون أن يحرّكوه، ليضربوا التيار الآخر متى شاؤوا. المشكلة تكمن في انعدام العمل المستقل، والحراك السياسي الذي لا يرتبط بحلقة الأمراء. وإن وجد، فسريعاً ما يتمّ استقطابه من قبل رموز الحكم، ليصبح تابعاً لهم. المجتمع السعودي بنخبته وشارعه يشارك في عملية ترويض الغالبية والسواد الأعظم من سكان هذا البلد.

اتّفاق

> هناك مؤشرات وتضارب في التصريحات والمواقف بين الأمراء حيال قضايا داخلية وأخرى خارجية، بعضها يتناقض أو يختلف عما يقوله الملك نفسه. من هي الجهة الأقوى في الحكم الآن؟

< داخلياً، مهما كانت هناك تعدّدية في وجهات النظر، إلاّ أن كل الأمراء المسيطرين على مرافق الحياة السياسية، اتّفقوا على ضرورة إقصاء أي عمل يؤدّي إلى التنازل عن بعض الأمور للشعب. الكل متّفق على عدم إجراء انتخابات حقيقية ومشاركة سياسية وعدالة اجتماعية. الكل يتعاون على إنجاح مشروع الهيمنة السعودية على مجتمع الجزيرة العربية. والكل متّفق على إقصاء الأكثرية الشعبية. ولكن بين الحين والحين، يحصل عدم تنسيق بين الأمراء، فيقول أحدهم شيئاً ليعود الآخر ويقول شيئاً يناقض ذلك. خذ مثلاً موقف سعود الفيصل من الأزمة اللبنانية.. اعتقد هذا مثلاً أن الحلّ يجب أن يكون عربياً، وعندما زار سلطان بن عبد العزيز شيراك في فرنسا، قال إنه يتّفق مع الرئيس الفرنسي على ضرورة إرسال قوّات دولية إلى لبنان. ومثل هذه التناقضات السعودية تثبت حالة التخبّط التي تعيشها المملكة، والتي يتقاسمها هؤلاء الأمراء، كأنها إرث شخصي ورثوه عبر العصور يتصرّفون به حسبما يشاؤون. لا يوجد جهة قويّة وجهة ضعيفة على صعيد الأمراء، بل يوجد حلقات حكم متعددة، تحاول أن تقسم التركة بينها، دون أن يؤدّي ذلك إلى تلاشي التركة.

> قبل أيام تمّت مصادرة ممتلكات أحد أقطاب الاقتصاد، وهو يوسف الراجحي، الذي أجبر على التنازل عن حقوقه وأمواله وهي بالمليارات، فهل إن مثل هذا الأمر طبيعي ولمصلحة مَن؟

< هذا ليس بالمستغرب.. فالنظام السعودي يعتمد على مبدأ احتكار الأرض وما عليها، وهو لا يطيق أن تنمو طبقة اقتصادية ثريّة ومستقلّة. النظام يريد على الدوام أن يكون شريكاً مهيمناً له الحصة الأكبر في الكعكة السعودية. يحاول دوماً أن يضرب مصالح التجار بخاصة، إذا لم يكن هو سبب ثرائهم. النظام السعودي يخاف من الاستقلالية الاقتصادية لمواطنيه، لأن ذلك ربما يؤدّي إلى الاستقلالية السياسية لطبقات اجتماعية تطالب بإشراكها في اتخاذ القرار السياسي، لذلك فهو يضربها عندما يجد فرصة لذلك، ويرغب دوماً أن تكون معتمدة عليه وموالية له. سرقة أموال الشعب أصبحت أمراً عادياً، كما هي سرقة الأراضي ومصادرتها وإعطاؤها للأمراء، ومن ثم شراؤها منهم لمشاريع كبناء المطارات والمدن الصناعية. النظام السعودي نظام يعتمد على مصادرة أي مشروع مستقل، ولا يسمح إلا بالمشاريع التي يكون هو مهيمناً عليها. هذا يؤخّر في نضج الطبقة الوسطى التي حوّلها النظام إلى طبقة تحت إمرته، فهو مصدر رزقها، ويستطيع أن يهدّد ثروتها متى يشاء، من خلال الهيمنة السياسية، وإعطاء الرخص والتسهيلات التجارية وغيرها. ولكن عندما يفلت من يده زمام الأمور، يلجأ إلى الحلّ الأخير، تحت ذريعة الحفاظ على السيادة والقانون، فيصادر أموال العباد، ويقضي على ثروات هائلة استطاعت بعض العوائل أن تجمعها.

فوضى مدبّرة

> لكن كيف؟ وبِمَ يبرّر النظام أفعالاً غير قانونية مثل هذه ولِمَ يلتزم الضحايا الصمت؟

< بما أنه لا توجد شفافية أو قضاء مستقل، فإنه يصعب على هؤلاء اللجوء إلى المحاكم لاسترجاع حقوقهم. إنها فوضى مدبّرة تخدم مصلحة الحكم فقط. المصلحة في هذه القضية هي تقليم أظافر أصحاب النفوذ الاقتصادي، وإعادتهم إلى حظيرة النظام.

> وهل كل الاجراءات التي يقوم بها النظام، لسلب الناس ممتلكاتهم وثرواتهم ومصالحهم، تمرّ مرور الكرام بدون حساب، وبدون ردّ فعل من المنظّمات الدولية المعنيّة؟

< أعتقد أن النظام السعودي تعلّم درساً لن ينساه من بن لادن، وشركة عائلته التي أعطت أسامة حيّزاً كبيراً من الحرّيّة، ليقوم بعمل سياسي وعسكري بعيداً عن هيمنة النظام. والكلّ يعرف الآن ما هي نتيجة ذلك. النظام السعودي هو شركة احتكارية لا تقبل المنافسة من أحد، حتى من الذين يدينون لها بالولاء. النظام هو سهم كبير يجب أن يكتسح الأسهم الصغيرة الأخرى، حتى يضمن الهيمنة الاقتصادية، والتي تؤدّي إلى استتباب الأمور السياسية والسيطرة على المجتمع.

> لا يبدو أن المواطن السعودي قد نال أي قدر من حقوقه في الحرّيات العامّة، والعدالة والمساواة، وما إلى ذلك؛ ومع هذا يبدو أن نشاط المعارضة قد انطفأ! فهل هناك صفقة أم صفعة أم أن الشارع بات مقتنعاً بأن الحكم عازم على الاصلاح والتغيير؟

< لم ينل المواطن السعودي حقوقه، فهو ما زال يعاني القمع السياسي والاقصاء والبطالة ـ ما زالت نسبتها مرتفعة ـ. المواطن محروم من حق التعبير، إلا إذا كان يمجّد القيادة. وكذلك لا يحق للمواطن إلا أن يحارب أخاه في معارك عقيمة فكرية ودينية لا يستفيد منها إلا النظام. أموال النظام تحرّك الفكر في السعودية باتجاه الولاء، مع الأسف. قد يعتقد البعض أن هناك حرّيات جديدة استطاع البعض أن يكتسبها، ولكن هذه حرّيات قاصرة عن تحقيق الكثير من طموحات النخب. نشاط المعارضة تقلّص، لأنه لا يوجد معارضة حقيقية في الداخل. الموجود في الداخل تيّارات تتصارع فيما بينها على حظوة عند هذا الأمير أو ذاك، وهي دوماً تبحث عن كفيل يتبنّاها. هذه التيّارات تبحث على الدوام عمّن يتبنّاها ولا تستطيع أن تكون مستقلّة. لذلك ما يسمّى بالمعارضة في الداخل، هو مصطلح غير دقيق، وإن وجدت مثل هذه المعارضة، فهي معارضة باهتة قد تقع ضحية في يد هذا الأمير أو ذاك. قد تجد المعارضة حيّزاً ضيّقاً بين هذا الأمير أو ذاك، وتستغل الصراع الداخلي على السلطة، ولكنها في النهاية هي معارضة تدور في فلك وليّ الأمر الماسك بزمام الأمور.

قمع

> على صعيد آخر ذي صلة، توقفت أميركا عن انتقاد الحكم في المملكة، فهل اكتشفت واشنطن أن الرياض معفيّة مما هو مطالب به غيرها، أم أن الولايات المتحدة اكتشفت أنها على خطأ وأن النظام السعودي على حق؟

< علاقة أميركا بالرياض علاقة حميمة. أميركا تحمي النظام مقابل الولاء المطلق. أميركا تعرف أن أمراء آل سعود يخدمون مصالحها، أحسن من أي شريحة اجتماعية قد تأتي في المستقبل. وعندما تلوّح أميركا بشعارات الديمقراطية، فإنها في حقيقة الأمر إنما تحاول أن تضغط على حليفها بطريقة تحسّن بها سمعة أميركا، وبخاصة عندما تطالب أميركا ببعض الحرّيات. ولكن في النهاية، فإن أميركا تريد من النظام السعودي نفطاً بأسعار معقولة، وتريد ذراعاً تساعدها على تطويع الأنظمة العربية الأخرى. وكذلك تريد من النظام السعودي أن يقمع الحركات الإسلامية المعادية لأميركا. وقد أثبت النظام السعودي أنه يقوم بالمهمّة على أحسن وجه. لذلك بالامكان القول، أن أميركا لن تعادي النظام السعودي إلاّ إذا توافر لديها البديل المقبول، وهو بديل تريده أن يكون أكثر انبطاحاً وولاء لها.

> وهل يمكن أن تحصل أميركا على بديل بمثل هذه المواصفات؟ يعني، هل هناك نظام أكثر من آل سعود أكثر انبطاحاً؟

< ربما من المستحيل أن يحصل ذلك.. بدليل أن ما يجري في لبنان من قتل وتدمير على يد إسرائيل، فإنه يقابل بمباركة النظام السعودي من خلال تصريحات «العقلانية» التي روّجها في بداية الحرب، وهي دليل على مدى انخراط السعودية في المشروع الأميركي. أميركا تطلب من النظام السعودي أن يشتري المعارضات العربية، وربما تستعمله في المستقبل لإشعال حرب جديدة في الخليج، إذا ما تطوّرت الأمور إلى أبعد من لبنان وإسرائيل.

                                                                المشاهد السياسي 16/8/2006