لماذا عاصفة الحزم وما مستقبلها في اليمن؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 297
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

د. مراد شاهين
يصعب على المتتبع لتاريخ اليمن الحديثأن يجد فترة ممتدة من الهدوء والإستقرار. المجتمع اليمني شبكة معقدة، على الأقل في نظر العالم الخارجي، من التعددية العصبية(العائلية، القبلية، الطائفية، المذهبية والجهوية). غالبية الصراعات الدمويةفي المجتمع اليمني كانت حول تقاسم السلطة او الإستحواذ عليها، خصوصا أن معدل ما يمتلكه الفرد من أسلحة نارية هو ثلاث قطع. فَكَثُرَت فيها الخلافات والإغتيالات السياسية، والثورات والإنقلابات العسكرية والإقتتال الأهلي وتراكُمْ الإحساس الدائم لدى الجميع بالحاجة للثأر. في اليمناعداء اليوم هم حلفاء الغد،وأية تحالفات غالبا ما يؤثر في طبيعتها وديمومتها ومناطقيتها تَغيّر موازين القوى العصبية الداخلية أو بارتباطهابمصالح قوىً خارجية.ولم تنشغل اليمن وحكامها في بناء وتطوير نظاماً سياسيايحترم حق الآخر في المشاركة السياسية، ولم يرسخ نظاما اقتصاديا واجتماعيايضمن توزيعا عادلا للموارد وتكافؤ الفرص. ولم يعمل على دمج المجتمع اليمني تحت لواء هوية وطنية يَمَنية جامعة.
وكأن ما فيها لم يكفيها، فموقع اليمن على الحد الجنوبي للجزيرة العربية جعلها بَوّابة المنطقة الى القارة الإفريقية والمحيط الهندي وما ورائهما، وتتحكم بمنافذ التجارة البحرية مع آسيا وإفريقيا. وتعداد سكانها اليوم يناهز 26.6 مليون؛ اي يساوي عدد السكان الأصليين (العرب) في دولشبه الجزيرة العربية مجتمعة تقريبا. وهذه حقائق مقلقة لدول الجوار ولا سيما ان اليمن لا تتماثل معها في نظامها السياسي والمذهبي.
تعززت حالة القلق تلك في السنوات الأخيرة بسبب الحرب التي اندلعت بين الجيش اليمني والحوثيين عام 2004 وعبرت عنه السعودية من خلال دعمها لقوات الرئيس علي عبد الله صالح، آنذاك. ثم أن الحراك الشعبي الذي أطاح بحكم الرئيس صالح عام 2012 زاد من حدة المخاوف السعودية إزاء ما يحدث في اليمن. وبعد اندخلت البلاد في اشبه ما يكون بالحرب الأهلية وسيطرة الحوثيون على مراكز السلطة في العاصمة ومدن استراتيجية أخرى عام 2014، رأت السعودية ان الموقف يقتضي التدخل الفوري.
تَذكُر مصادر تاريخية بريطانية بأن عميلها المستعرب جون فيلبي، الملقب بــِ عبد الله، طلب من عبد العزيز آل سعود عام 1934 التدخل في اليمن، فجاء الرد قاطعاً: “لم يملك آبائي وأجدادي اليمن، ولم يكن احد قادر على تحقيق الأمن والاستقرار هناك. من يستطيع أن يحكم اليمن بِزيديْتِها ومشاكِلها؟”ولكن المفارقة الكبرى ان السعودية لا تحتمل استقرار اليمن أوعدمه، تقريبا بنفس الدرجة.بالتالي، كيف للسعودية ان توَفِّق بين متطلبات التدخل في اليمن وخطر الوقوع المهلك في شباك التحالفات والعصائب اليمنية؟
قررت السعوديةفي 25 مارس/اذار 2015 ان تؤلف وتقود تحالفاً عسكرياً (عاصفة الحزم) تلبية لطلب بالتدخلمن قبل الرئيس اليمني المنتخب عبد ربه هادي و”حماية اليمن من العدوان الحوثي…[والـ]مساعدة في مواجهة القاعدة وداعش.”هذا بالرغم من أن الحوثيون كانوا اصلاً منشغلين في محاربة داعش والقاعدة.
القناعات التي تدخلت المملكة على أساسها في اليمن مشكوك في ابعادهاودلالاتها السياسية والاستراتيجية. فالإعتقاد بأن النظام اليمني الذي افرزته الحراكات الشعبية نظاماً ديمقراطياً يشكل تهديدا حقيقيا لبقاء النظام السعودي لا يوجد ما يبرره. فالتاريخ ربما يشهد لليمن “بالفوضى”والعنفولكن لا يشهدانها كانت عدوانية تجاه الجوار. ثانيا، اعتقاد السعودية بأن ايران تسعى لِمَدْ نفوذها الى اليمن من خلال دعم وايصال الحوثيين الى السلطة ليس هنالك ما يبرره ايضا. الحوثيون طائفة يمنية اصيلة ليست تابعة لإيران مذهبيا ولا عرقيا، وهم ايضا حلفاء سابقون للسعودية. وكبقية الطوائف تطمح لتقاسم السلطة في صنعاء وقد حدث انهم وُعِدوا بذلك من قِبل الرئيس هادي إبان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية عام 2014، إلا انه تم التراجع عن وعودات تقاسم السلطة، ربما بضغط من السعودية.
ثالثا، الإعتقادبأن انشغال إدارة الرئيس أوباما في تسوية الملف النووي الإيراني خلافا للرؤية السعودية حول ذلك الملف فُسِّر على انه تهميش للدور السعودي كلاعب إقليمي رئيسي في المنطقة. ومما زاد من شكوك السعودية بنوايا حليفها الأمريكي تحوّل تركيز السياسة الخارجية الأمريكية الى جنوب شرق آسيا والمحيط الهادي. والواقعية السياسية تفترض ان للسعودية الحق في تَصَوُّر ما يخدم او يضر بمصالحها.لكنهل كان التدخل العسكري هو خيارها الوحيد أم افضل الخيارات؟ بينما قد يصعب تحديد آلية صنع واتخاذ القرار السياسي السعودي، يمكن استنباط ان هنالك ضبابية في الرؤية لدى دائرة صنع القرار، مَرَدُّها تضخيم هاجس المد الشيعي الإيراني وتضخيم هاجس “الربيع العربي” واحتمال امتداده الى السعودية. بالإضافة الى ذلك القراءة غير المتيقنة للمشهد السياسي العالمي المُستَجِد مُتَسَبّبةبحالة الارتباك في طُرُقْ التفاعل معه.
لم يَفُتْ اوان تدارك الموقف تجاه اليمن. السعودية باقية واليمن باقية. والحرب الحديثة مكلفة جدا وتكاليفها كفيلة بِزَهْق خزائن واحتياطات مالية عند أعظم الدول. لقد كان الجدول الزمني لانتهاء عاصفة الحزم شهر ونصف ولكنها ما تزال جارية بعد أكثر من سنة ونصف بتكلفة تُقَدّر، حتى اليوم، 3 مليار دولار؛ اي بتكلفة تقارب 175 مليون دولار شهريا. بالطبع هذا عدا عن حجم الدمار الهائل والتقتيل في اليمن.
لن تستطيع السعودية الإستمرار في الخيار العسكري غير المجدي. يمكنها دعم مصالحة وطنية حقيقية تجمع على طاولتها الأطراف اليمنية المتصارعة بما فيهم أنصار الله، الرئيس السابق علي صالح، والاتفاق على هدنة لمرحلة انتقالية تنتهي الى تقاسم عادل للسلطة. لأن البديل عن ذلك هو المزيدمن الأعباء المادية والضحايا من ابناء اليمن الشقيق.
دائرة العلوم السياسية – جامعة بيرزيت