التفاوض بالنار بين السعودية وصنعاء

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1525
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

كتب محرر الشؤون العربية:
أكثر من 500 يوم على بدء الحرب التي تقودها السعودية على اليمن. مجزرة غارة حيدان التي اوقعت ما لا يقل عن عشرة اطفال شهداء و28 جريحا، كانت آخر انجازات طيران «التحالف العربي»، في مشهد مأساوي متكرر منذ آذار العام 2015.
«لا يوجد مدرسة هناك»، قال اللواء السعودي احمد العسيري، لنفي الاتهامات التي توجه لطائرات التحالف بارتكاب جرائم تطال المدنيين اكثر مما تفعل في جبهات القتال. «انصار الله» والحلفاء من قوات الجيش والقبائل، صعدوا في الايام الاخيرة من وتيرة عملياتهم داخل الاراضي السعودية، خصوصا في نجران التي يقاتلون على مشارفها، بالاضافة الى جيزان وعسير.
وكأن هناك تفاوضا غير مباشر بالنار، بعد انهيار محادثات الكويت في السادس من آب الحالي، او جرى «تعليقها». بالامس، سجلت صنعاء، نقطة مهمة في صراع الشرعية الدائر مع الرياض المؤيدة للرئيس المتراجع عن استقالته عبد ربه منصور هادي. وهكذا، بعد اكثر من 500 يوم من الحرب السعودية، على افقر الدول العربية، والدعم السعودي اللامحدود للرئيس الفار، لم يتمكن منصور هادي من الحكم فعليا، ولا يعرف له مقر رئاسي على الاراضي اليمنية باستثناء ما يتردد احيانا على انه في مكان ما في عدن!
في المقابل، نجح «انصار الله» و«المؤتمر الشعبي العام» التابع للرئيس السابق علي عبدالله صالح، في حشد ما يكفي من التأييد السياسي، لعقد اجتماع للبرلمان اليمني الشرعي في العاصمة صنعاء، بما في ذلك من هم في موقع الخصومة السياسية مع عبدالملك الحوثي وعلي عبدالله صالح.
«المجلس السياسي الاعلى» الذي جرى الاعلان عنه قبل ايام، نال بالامس «الشرعية» البرلمانية التي يحتاجها لادارة شؤون البلاد الغارقة في دوامة الحرب السعودية، على الرغم من تشكيك معسكر منصور هادي بـ «دستورية» الخطوة.
وفي خطوة وصفها مصدر متابع للشأن اليمني لـ «السفير» بانها خطوة طبيعية بعد وصول مفاوضات الكويت الى طريق شبه مسدود، والتمسك اللاعقلاني من «وفد الرياض» بخيار الحل الامني للبحث عن تسوية سياسية وانهاء الحرب، انعقد مجلس النواب للمرّة الأولى منذ تشرين الثاني العام 2014، فيما طيران «التحالف» يكثف غاراته وطلعاته في سماء صنعاء في محاولة على ما يبدو لعرقلة الجلسة التي التقى فيها النواب من مختلف المشارب السياسية، فيما تجمهر العديد من المواطنين اليمنيين في الخارج، في رسالة تحد واضحة.
وحضر الجلسة 142 نائباً من أصل 301 نائب يتشكّل منهم مجلس النواب اليمني. وبما أن 26 نائباً من نوّاب المجلس الحالي باتوا في عداد المتوفين، ولم يتم انتخاب بدلاء لهم نتيجة للظروف التي تمرّ بها البلاد، فإنّ النِصاب القانوني انخفض من 151 نائباً إلى 137 نائباً، وبالتالي فقد كان النِصاب مكتملاً بالنصف زائداً خمسة نوّاب، ثلاثة منهم من حزب «الإصلاح» الذي يمثل تيار «الاخوان المسلمين»، ما شكّل مفاجأة لقيادة الحزب ولمنصور هادي وللتحالف الذي تقوده السعودية على السواء.
وشارك في اجتماع المجلس نوّاب من المؤتمر الشعبي العام، التجمّع اليمني للإصلاح، الحزب الاشتراكي، الحزب الناصري، حزب البعث العربي الاشتراكي، إلى جانب عدد من المستقلين. وتوقف المصدر عند خبر مشاركة نواب من «الاصلاح» في الجلسة، معتبرا ان هناك اصواتا تتزايد داخل الحزب لاعادة الحسابات في ظل الحرب القائمة والتعامل مع الواقع القائم على الارض باعتبار ان «انصار الله» وحلفاءهم، هم «اخوة وشركاء» في الوطن ولا بد من التعامل معهم، ملمحا ايضا الى ان انصار «الاصلاح» لم يحققوا مكاسب تذكر في معركة استعادة الجنوب اليمني التي خاضها «التحالف»، وبانت السيطرة الحقيقية لتنظيمات مثل «القاعدة» و «داعش».
وقال المصدر لـ «السفير» ان تشكيل المجلس السياسي الاعلى ونيله اصوات الثقة من البرلمان اليمني، بمثابة رسالة الى الامم المتحدة ولمن يهمه الامر، بأن اليمنيين ماضون، بعد استمرار هذه الحرب الطويلة، على طريق ترتيب شؤون الحكم في بلادهم، من باب الشرعية التي يتمتع بها البرلمان، والتمهيد ربما لاحقا لتشكيل حكومة يمنية جامعة.
وكان البرلمان اختتم جلسات أعماله لدورة انعقاده غير العادية أمس الأحد، بأداء أعضاء المجلس السياسي الأعلى اليمين الدستورية، بحيث أدّى اليمين الدستورية كلٌ من صالح علي الصمّاد عن «أنصار الله»، رئيساً، وقاسم محمد لبوزة، عن «المؤتمر الشعبي العام»، نائباً للرئيس، إضافة الى بقية أعضاء المجلس البالغ عددهم ستة.
وعندما افتتح البرلمان جلسته امس الاول، برئاسة رئيسه يحيى علي الراعي، أعلن أن المجلس «يصادق ويبارك بالإجماع تشكيل المجلس السياسي الأعلى لحكم البلاد من أقصى الشمال إلى عدن جنوباً، ومن الشرق إلى الغرب مع الحدود اليمنية الرسمية».
اما الصماد، فقد أكد أن اجتماع مجلس النواب «يمثل رسالة قوية للعالم بأسره بأن الشرعية لا تُستمد إلا من الداخل ومن المؤسسات الدستورية التي تمثل الشعب اليمني وإرادته الحرّة». وأضاف «قبلنا مسار الحل السياسي، وخضّنا جولات من المفاوضات وصولاً الى الكويت، وقدّمنا تنازلات ملموسة، لكن المفاوضات تعثرت بسبب تعنّت الطرف الآخر ومن خلفه قوى العدوان». ولفت إلى أنه «كان لابد من اتخاذ الخطوات التي تعزّز من التلاحم الوطني على المستويين الشعبي والسياسي .. وتستجيب لضغوط ومناشدات الفعاليات الشعبية والسياسية والاجتماعية للدخول في شراكة واسعة لإدارة البلد وسدّ الفراغ الإداري القائم».
واشار المصدر لـ «السفير» الى ان تصعيد المواجهة مع «قوى العدوان» لم تقتصر على قبة البرلمان، اذ ان تحريك الجبهات على الحدود مع السعودية جار في جيزان وعسير ونجران، وهناك عمليات توغل نحو التلال المشرفة على نجران في منطقة تتسم بتضاريس وعرة، وشهدت منازلات وضربات بالصواريخ لدبابات وناقلات جند، وعمليات اقتحام لمواقع عسكرية تابعة للجيش السعودي، جرى توثيقها بالصور. تابع المصدر ان تحريك «انصار الله» لجبهة نجران وغيرها، جاء بعدما عمد السعوديون الى اعادة اشعال جبهة مأرب، بالاضافة الى تكثيف غاراتهم الجوية على كل المناطق بما في ذلك صنعاء وصعدة.
ويرى المصدر في التصعيد الجاري حاليا، بانه يمثل انهيارا للتفاهم العسكري غير المعلن، والمتثل بـ «تجميد الحدود مقابل تحييد صنعاء». واضاف «هو تفاوض بالنار.. فلا حكومة فعليا على الارض، ومنصور هادي يفتقر الى الشرعية الكافية، اما عدن والعديد من مناطق الجنوب فقد اضحت في قبضة التنظيمات التكفيرية».
ويرى مراقبون انه على عكس الجهود السياسية التي كان فريق هادي يبذلها في الكويت، فقد فُهمت خطوة مجلس النواب الأخيرة على أنها تجريد لمنصور هادي وحكومته في الرياض، من الشرعية التي كانوا يستندون إليها في تغطيتهم لعمليات «التحالف». وبالتالي، أصبح المجلس السياسي الوليد، والذي استمد شرعيته من مجلس النواب، الممثل الشرعي والقانوني للشعب اليمني، على الأقل من منظور القائمين عليه ورُعاته.
ولم يصدر موقف سعودي من التطورات الحاصلة في صنعاء، ولا حول التوغلات اليمنية عبر الحدود، لكن وكالة الانباء السعودية اشارت ليل امس الى ان الملك سلمان الذي كان يمضي اجازة في المغرب، امر بصرف راتب شهر اضافي لعناصر الجيش والشرطة السعودية التي تقاتل عند الحدود في اليمن.
اما وزارة الخارجية المصرية فقد اعتبرت أن الإعلان عن المجلس السياسي الأعلى في اليمن «محاولة لاختطاف المفاوضات والعودة إلى الوراء». وقال المتحدث باسم الخارجية أحمد أبوزيد، إن هذا الأمر «أصاب الجميع بحالة من الإحباط».
اما منصور هادي، فقد توعد عبر «تويتر»، أعضاء مجلس النوّاب الذين شاركوا في الجلسات، واعتبر انعقاد البرلمان غير قانوني، قائلا إن مجلس النواب «توقف عن ممارسة مهامه بعد انقلاب الحوثيين»، موضحاً أن «الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية ألغت نِصاب التصويت بالأغلبية في المؤسسة التشريعية، وصار التصويت محكوماً بالتوافق الجمعي لكل أعضاء مجلس النواب».
لكن مؤيّدي «المجلس السياسي الأعلى»، يعتبرون أن احتفاظ البرلمان بشرعيته رغم انتهاء مّدته مستمدّ من الدستور اليمني الذي ينصّ على استمرار المجلس في مباشرة سلطاته حتى انتخاب مجلس جديد، وليس من مبادرة سياسية أو أي توافقات أخرى. ويتمسّك هؤلاء بالمادّة رقم (65) من الدستور التي تقول إن «مدّة مجلس النواب ست سنوات شمسية تبدأ من تاريخ أول اجتماع له، ويدعو رئيس الجمهورية الناخبين إلى انتخاب مجلس جديد قبل انتهاء مدة المجلس بستين يوماً على الأقل، فإذا تعذّر ذلك لظروف قاهرة ظل المجلس قائماً ويباشر سلطاته الدستورية حتى تزول هذه الظروف ويتم انتخاب المجلس الجديد».